(فصلٌ) في أحكام الْمُساقاة.
وهي لغةً مأخوذةٌ من السَّقْيِ الذي هو أهمُّ أشغالِهَا وشرعًا دَفْعُ الشخصِ نخلًا أو شجرَ عنبٍ لمن يتعهدُهُ بسَقْيٍ وتربيةٍ على أن له قدرًا معلومًا من ثمرِهِ.
والأصلُ فيها قبل الإجماع خبرُ الصحيحين أنه صلَّى الله عليه وسلَّم عامل أهلَ خيبر بالشَّطْرِ اهـ قوله (خيبر) قال في معجم البلدانِ إنَّ معناه بلسان اليهود الحصن وقال إنها ناحية على ثمانية بُرُدٍ منَ المدينة لمن يريد الشام وفيها سبعةُ حصونٍ ومزارعُ ونخلٌ كثيرٌ وأسماء حصونها حصن ناعِم وحصنُ القَمُوص وحصن الشِّق وحصن النَّطاة وحصن السُّلالِم وحصن الوَطِيح وحصن الكَتِيبة وقد فتحها النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّها في سنة سبع للهجرة اهـ وأركانُ هذه المعاملةِ خمسةٌ عاقدانِ وعملٌ وثمرٌ وصيغةٌ وموردُ عملٍ وإن شئت قلتَ ستةٌ بِعَدِّ كلٍّ منَ العاقدينِ ركنًا.
(والمساقاةُ جائزةٌ على) شَجَرَتَيِّ (النخلِ والكرمِ) فقط بشرط أن يكون الشجرُ مغروسًا مُعَيَّنًا مرئيًّا لم يَبْدُ صلاحُ ثمرِهِ سواءٌ ظهر أم لا بيدِ عاملٍ فلا تجوز المساقاة على غيرهما من الشجر استقلالًا قوله استقلالًا) أي بالأصالةِ وتصحُّ على غيرهما إذا كان بينهما تبعًا كتينٍ ومِشْمِشٍ ولا على غير مرئِيٍّ منهما ولا على مُبْهَمٍ كأحدِ البَساتين ولا على وَدِيٍّ على وزنِ غَنِيٍّ وهو الفَسِيل أي صغار النخلِ يغرسُه العامل أو المالك ولا على ما بدا صلاحُ ثمرِهِ ولا على ما بيدِ غيرِ عاملٍ كأن جُعِلَ بيدِهِ ويدِ المالِكِ.
وتصِحُّ المساقاة من جائز التصرف لنفسِه ولصبِيٍّ ومجنونٍ بالولاية عليهما عند المصلحةِ.
وصيغتها إيجابٌ بلفظِ المساقاةِ وما يُعطِي معناه كَسَاقَيْتُكَ على هذا النخلِ عشرةَ أشهرٍ بنصفِ الثمرِ مثلًا أو سَلَّمْتُهُ إليك لِتَتَعَهَّدَهُ مدةَ كذا بكذا مِنَ الثمرِ وقبولٌ مِنَ العاملِ لفظًا.
(ولها) أي للمساقاةِ (شرطان أحدُهما أن يقدِّرَها) المالكُ (بمدةٍ معلومةٍ) يُثْمِرُ فيها الشَّجَرُ غالبًا كسنةٍ هلاليةٍ لأنَّ العاملَ يملكُ حصَّتَهُ بالظهورِ ولا يجوزُ تقديرُها بإدراكِ الثمرةِ في الأصحِّ للجهل بوقتِهِ (والثاني أن يُعَيِّنَ) المالكُ (للعاملِ جُزْءًا معلومًا من الثمرةِ) كنصفها أو ثُلُثِها فلو قال المالكُ للعاملِ على أن ما فتحَ اللهُ به مِن الثمرة يكونُ بيننا صحَّ وحُمل على المناصفة.
(ثم العملُ فيها على ضربين) أحدُهما ما يتكرَّرُ كل سنةٍ إذ هو (عملٌ يعود نفعُهُ إلى الثمرةِ) كَسَقْيِ النخلِ وتلقيحِه بوضعِ شىءٍ مِنْ طَلْعِ الذكورِ في طَلْعِ الإناث وتنقيةِ مَجْرَى الماء من نحوِ الطينِ وتنحية ما يُضِرُّ بالشجرِ من القضبانِ ونحوِ ذلك (فهو على العاملِ) وأما الآلاتُ التي يُحتاجُ إليها لِمَا ذُكِر فَهِي على المالك إذ ليست معدودةً من جملةِ العمل المتكررِ كلَّ سنةٍ ومثلُها الطَّلْعُ الذي يلقَحُ به النخلُ والبهيمةُ التي تُدَوِّرُ الدولابَ. (و)الثاني (عملٌ) لا يتكررُ كلَّ سنةٍ وهو ما (يعودُ نفعُه إلى الأرض)كنصبِ الدواليبِ وحفرِ الأنهارِ (فهو على ربِّ المال) ولا يصِحُّ أن يُشرَظَ على المالكِ أو العاملِ ما ليس عليه فلو شُرِطَ على العاملِ بناءُ جدارٍ للحديقةِ أو حفرُ النهرِ أو على المالكِ تنقيةُ النهرِ فسدَ العقدُ. ولو كان بين الشجرِ بياضٌ وكان لا يُسقَى إلا بسَقْيِ الشجرِ جازَ أن يساقيَهُ على النخيل ويزارعَهُ على الأرض أي والبذرُ منَ المالكِ تبعًا للمساقاةِ لا استقلالًا.
ويُشترطُ انفرادُ العاملِ بالعملِ بحيثُ يكونُ الاستقلاقُ في العملِ لهُ دونَ غيرِهِ فلو شَرَطَ ربُّ المالِ عَمَلَ غلامِه مع العاملِ بحيثُ يكونُ له الاستقلالُ في العَمَلِ كالعاملِ فيتصرفُ بلا مراجعتِه لم يصحَّ.
وعقدُ المساقاةِ لازمٌ من الطرفين لأنه في مَعْنَى الإجازةِ وعليه لو ماتَ العاملُ وكانتِ المساقاةُ واردةً على عَيْنِهِ انفسخَت كانهدامِ الدارِ المستأجَرَةِ وأما إذا كانت واردةً على الذِّمَّةِ ومات العاملُ فإذا تطوَّع ورثتُهُ بالعمل استحقُّوا الثمرةَ وإن لم يعملوا استُؤجر مِن مالِه مَن يعمل فإن لم يكن له مالٌ فَلِرَبِّ المال أن يفسخ. وإذا مات مالكُ الأشجار في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل على شغله ويأخذ نصيبَه من الثمار.
ولو خرج الثمرُ مُسْتَحَقًّا لغيرِ الْمُساقِي قوله (مستحقًا لغير المساقِي) أي كأن أوصَى بثمرةِ بستانِهِ لزيدٍ ثم ماتَ فساقَى الوارثُ رجلًا على نصفِ الثمرةِ مثلًا فللعاملِ على ربِّ المالِ أجرةُ المثلِ لِعَمَلِهِ إذا كان جاهلًا بالحالِ أما إذا كان عالِمًا بالحالِ فلا شَىءَ له جزمًا.