(فصلٌ) في أحكام القِراض وهو والْمُقارضةُ والْمُضاربةُ شىءٌ واحدٌ.
وهو لغةً مشتقٌّ منَ القَرْضِ وهو القطعُ وشرعًا دفعُ المالكِ مالًا للعامل يعملُ فيه وربحُ المالِ بينهما.
وأركانُ هذا العقدِ ستةٌ مالكٌ وعاملٌ وعملٌ وربحٌ وصيغةٌ ومالٌ. ويُشترطُ في المالكِ ما يُشترطُ في الْمُوَكِّل وفي العاملِ ما يُشترطُ في الوكيل أي مِن كونِ كلٍّ منهما بالغًا عاقلًا يصِحُّ تصرُّفُهُ في المقارَضِ عليه. وفي الصيغةِ ما في البيعِ مِن إيجابٍ وقبولٍ لفظًا فالإيجابُ نحو قارضتُك وعاملتُك في كذا على أن يكون الربحُ بيننا والقَبُولُ بنحو قبلتُ. وفي العملِ كونُهُ تجارةً وعدمُ تضييقِهِ. وشرطُ المالِ تَضَمَّنَهُ قولُ المصنف (وللقِراض أربعُ شرائطَ) أحدُها (أن يكونَ على ناضٍّ) أي نقدٍ (منَ الدراهمِ والدنانيرِ) الخالصةِ فلا يجوزُ القراضُ على تِبْرٍ ولا حُلِيٍّ ولا مغشوشٍ ولا عُروضٍ ومنها الفلوسُ والعملةُ الورقيةُ.(و)الثاني (أن يأذنَ ربُّ المالِ للعامل في التصرفِ) بالتجارة إذنًا (مطلقًا) فلا يجوز للمالكِ أن يُضَيِّقَ التصرفَ على العاملِ كقوله لا تشترِ شيئًا حتَّى تشاورَنِي (أو فيما) أي في التصرف في شىءٍ (لا ينقطعُ وجوده غالبًا) فلو شَرَطَ عليه شراءَ شىءٍ يندرُ وجودُه كالخيل البُلقِ وهي التي فيها سوادٌ وبياضٌ لأنه نادرةُ الوجودِ وكذا لو قال لا تشترِ إلا الحنطةَ البيضاءَ لم يصحَّ لقلَّتِها إلا أن يكونَ ذلك في محلٍّ يغلِبُ وجودُها فيه فيصِحُّ ذلك إذ لا تضييقَ فيه كما يجوزُ أن يشرطَ عليه عدمَ شراءِ نوعٍ معينٍ. (و)الثالثُ (أن يشرطَ له) أي يشرطَ المالكُ للعاملِ (جزءًا معلومًا) بِجُزْئِيَّتِهِ (منَ الرِّبح) كنصفه أو ثلثِهِ فلو قال المالك للعامل قارضتُكَ على هذا المال على أنَّ لك فيه شركةً أو نصيبًا أو كذا دينارًا منَ الربحِ أو درهمًا منه وربعَ ما زادَ فسدَ القراضُ أو على أنَّ الربحَ بيننا صحَّ ويُحملُ على التساوِي.
(و)الرابعُ أنه يُشترطُ في العقدِ (أن لا يقدَّر بمدةٍ) معلومةٍ كقوله قارضتُكَ سنةً وأن لا يُعَلَّقَ بشرطٍ كقوله إذا جاء رأس الشهرِ قارضتُك ومثلُ العَقْدِ في هذا التصَرُّفُ فلو عَلَّقَ التصرُّفَ بشرطٍ كقارضتُك وإذا جاء أوَّلُ الشهر تصرَّفْ لم يصِحَّ. ويجوزُ أن يشرِطَ عليه أن لا يشتَرِيَ بعد سنةٍ.
والقِراضُ أمانةٌ (و)حينئذٍ (لا ضمانَ على العامل) في مالِ القراضِ (إلا بعُدوانٍ) أو تفريطٍ فيه.
(وإذا حصل) في مال القراضِ (رِبحٌ وخُسرانٌ جُبِرَ الخُسرانُ بالرِّبح) كأن اشترى بضاعةً بِمِائَتَيْنِ ثم باع نصفَهَا بمِائَةٍ وخمسينَ ثم رخُصَ السعرُ فباع النصفَ الثاني بخمسين فهنا يُجْبَرُ خسرانُ الخمسين بربحِ الخمسين وليس للعامل شَىءٌ. فإنْ لم يتحصَّلْ ربحٌ منَ العملِ بل خسارةٌ لم يكن للعاملِ شَىءٌ ولا لربِّ المالِ عليه شىءٌ.
وعقدُ القراضِ جائزٌ منَ الطَّرفَيْنِ فيثبتُ له حكمُ العقودِ الجائزةِ فلكلٍّ منَ المالك والعامل فسخُهُ متى شاءَ وينفسخُ بالموتِ والجنونِ والأغماءِ. ومتى فُسِخَ لزمَ العاملَ استيفاءُ الدُّيُونِ وتنضيضُ رأسِ المالِ إن طلبه المالكُ أمَّا الزائدُ فمُشْتَرَكٌ بينهما فلا يلزمُ العاملَ تنضيضُهُ. وإذا انفسَخَ بموتِ ربِّ المالِ صار المال صار المالُ لوارثِهِ فإن كان المالُ ناضًّا لا ربحَ فيه أخذهُ الوارثُ وإن كان ربحٌ اقتسماهُ وإن كان عرَضًا فكحصولِ الفسخِ في حياتهما ولا يحتاجُ العاملُ في ذلك إلى إذنِ الوارثِ. ولو أرادَ وارثُ المالكِ الاستمرارَ على العقدِ فإن كان المالُ ناضًّا فلهما ذلك بأن يستأنِفا عقدًا بشرطِهِ ولو قبلَ القسمةِ وينعقدُ بلفطِ التركِ والتقريرِ بأن يقولَ الوارثُ أو القائمُ بأمرِهِ تركتُكَ أو قرَّرْتُكَ على ما كنتَ عليه لفهمِ المعنَى وإن كان المالُ عرْضًا فلا يجوزُ تقريرُ العاملِ على القراضِ لأنَّ القراضَ الأولَ انقطعَ بالموتِ ولا يجوزُ ابتداءُ القراضِ على عرْضٍ. وإن ماتَ العاملُ واحتيجَ إلى البيعِ والتنضيضِ فإن أذِنَ المالكُ لوارثِ العاملِ فيه فذاك وإلا تولَّاهُ أمينٌ مِن جهةِ الحاكمِ ولا يجوزُ تقريرُ وارثِهِ على القراضِ إن كان المالُ عرْضًا قطعًا فإن كان ناضًّا فلهما ذلك بعقدٍ مستأنَفٍ.