الخميس ديسمبر 12, 2024

(فصلٌ) في أحكامِ الغصْبِ وهو مِنَ الكبائرِ.

  وهو لغةً أخذُ الشىءِ ظلمًا مجاهرةً وشرعًا الاستيلاءُ على حقِّ الغيرِ عُدوانًا مجاهرةً قوله (مجاهرة) زاده القاضي لأخراج السرقة واستحسنه في الشرح الصغير وغيرُهُ وفيه نظرٌ على ما ذهب إليه الشيخ زكريا وغيره. وقال ابن قاضي شُهبة في بداية المحتاج ولا بد من فصلٍ يُخرِج الْمُختلسَ وقاطع الطريق اهـ وما ذُكِرَ في الشرح هو المشهور من تعريفِ الغصب وقال إمام الحرمين هو الاستيلاء على حق الغير بغير حقّ وبه عبّر النوويُّ في زيادات الروضة. ويُرجعُ في الاستيلاءِ للعُرْف فَلَوْ جلسَ على بِساطِ الغَيْرِ أو اغترفَ بآنيةِ الغيرِ أو ركبَ دابَّةَ الغيرِ بلا إذنٍ فغاصبٌ. ودخلَ في الحقِّ ما يصح غصبُهُ مِمَّا ليس بمالٍ كجلدِ ميتةٍ قبل الدبغ والمنفعةِ المستحقةِ كمحلِّ مَن قعدَ في مسجدٍ أو سوقٍ فلا اجوز إقامتُه منه وإن لم يقعدْ محلَّه. والأصلُ في تحريمه قبل الإجماع ءَاياتٌ كآيةِ البقرةِ (وَلَا تَأْكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ) وحديثُ البخارِيِّ وغيرِهِ مَن غصبَ شِبرًا مِن أرضٍ طُوِّقَهُ مِن سبعِ أرَضينَ يومَ القيامة اهـ

  (ومَنْ غَصَبَ مالًا لأحدٍ لزمَه ردُّهُ) لِمَالِكِه فورًا ولو غرِم على رَدِّهِ أضعافَ قيمتِه (و)لزمُه أيضًا (أرشُ نَقْصِه) إنْ نقَصَ بغير رخصِ السعر وذلك بِغُرْمِ ما نَقَصَ مِن قِيمته فمَن غصبَ شيئًا فَنَقَصَتْ عينُه أو قيمتُهُ ولو بغيرِ استعمالٍ لزِمَهُ مع رَدِّهِ أرشُ نَقْصِهِ أما لو نَقَصَ برخصِ سعرِهِ فلا يضمنُهُ الغاصبُ على الصحيح (و)لزمَه أيضًا (أجرةُ مثلِه) للمُدَّة المغصوبة فلو غصبَ ثوبًا قيمتُهُ عشرةٌ فصارت بالرُّخصِ درهمًا ثم لَبِسَهُ فأبلاهُ فصارت نصفَ درهمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ زيادةً على أجرةِ مثلِهِ مدةَ غَصْبِهِ خمسةٌ هِيَ قسطُ التالفِ مِن أقصى قِيَمِهِ وهو نصفُ الثوبِ.

  (فإنْ تَلِفَ) المغصوبُ ولو بآفَةٍ سماويةٍ وجبتْ أجرةُ الْمِثْلِ لمدةِ غصبِهِ قوله (لمدةِ غصبِه) أي من يومِ غَصْبِهِ إلى يومِ تَلَفِهِ. و(ضَمِنَهُ) الغاصبُ (بمِثْلِهِ إن كان له مِثْلٌ) موجودٌ بثمنِ الْمِثْلِ في دونِ مسافةِ القصرِ والأصحُّ أنَّ الْمِثْلِيَّ ما حَصَرَهُ كيلٌ أو وزنٌ وجازَ السلمُ فيه كنحاسٍ وقُطنٍ لا غاليةٍ ومعجونٍ وإنما يُضمَنُ المثلِيُّ بمثلِهِ إنْ بَقِيَ له قيمةً ولو قليلةً ولذا لو غصَبَ ماءً بصحراءَ لا ماءَ فيها ثم اجتمعا عند شطِّ نهرٍ مثلًا وجبَتْ قيمةُ الماءِ في الصحراءِ (أو) ضَمِنَهُ (بقيمةٍ إن لم يكن له مثلٌ) أصلًا بل كانَ متقوِّمًا أو كانَ له مثلٌ موجودٌ بأكثرَ مِن ثمنِ المثلِ أو مسافةِ القصرِ فأكثرَ أو لم يبقَ للمغصوبِ قيمةٌ ولو يسيرةً كما تقدَّمَ ويضمَنُهُ بالقيمةِ إذا اختلفت (أكثرَ ما ما كانت مِنْ يومِ الغصبِ إلى يومِ التلَفِ) والعِبرةُ في القيمةِ بالنقدِ الغالبِ فإنْ غَلَبَ نقدانِ تَعَيَّنَ الأنفعُ للمالك فإن تساويا عَيَّنَ القاضِي نقدًا.