الخميس ديسمبر 12, 2024

  (فصلٌ) في أحكامِ العاريَّةِ وهي بتشديدِ الياء في الأفصح مأخوذةٌ مِن عارَ إذا ذهبَ.

  وحقيقتُها الشرعيةُ إباحةُ أهلٍ للتَّبَرُّعِ الانتفاعَ بما يَحِلُّ مع بقاءِ عينِهِ. وأركانُها أربعةٌ مُعِيرٌ ومُستعيرٌ ومُعارٌ وصيغةٌ.

  والأصلُ فيها قبل الإجماعِ قولُه تعالى (وَيَمْتَعُونَ الْمَاعُونَ) فسَّرَهُ بعضُهم بما يستعيرُهُ بعض الجيران من بعضٍ كالدَّلْوِ والفأس والقِدْر وخبرُ الصحيحينِ أنه صلَّى الله عليه وسلَّم استعارَ فرَسًا مِن أبي طلحةَ فركبَهُ اهـ وحديثُ أبي داودَ أنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام استعار دِرْعًا مِن صَفوانَ بنِ أُمَيَّةَ فقال أغصبًا يا محمَّدُ فقال عليه السلام بل عارِيَّةٌ مضمونةٌ.    وشرطُ الْمُعِيرِ صحَّةُ تَبَرُّعِهِ بأن يكونَ مطلَقَ التصرفِ لأنَّ الإعارةَ تبرُّغٌ بالْمنفعةِ فلا تَصِحُّ مِمَّن لا يَصِحُّ تبرُّعُه وكونُهُ مالكًا لمنفعةِ ما يُعيرُه فَمَنْ لا يصِحُّ تبرُّعُهُ كصبِيٍّ ومجنونٍ ومُفْلِسٍ وسفيهٍ ومكاتَبٍ بغيرِ غذنِ سيِّدِهِ لا تصِحُّ إعارتُه ومَن لا يملِك المنفعةَ كمستعيرٍ لا تصِحُّ إعارتُهُ إلا بإذنِ الْمُعير. وشرطُ المستعير صحةُ قَبُولِهِ التبرعَ فلا تصحُّ إعارةٌ لصبيٍّ ومجنونٍ. وشرطُ الْمُعارِ كونُه مُنْتَفَعًا به مع بقاءِ عينِهِ وهو ما بَيَّنَهُ المصنف بقوله (وكلُّ ما أمكنَ الانتفاعُ به) منفعةً مباحةً (مع بقاءِ عينِه جازت إعارتُه) فخرجَ بمباحةٍ ءَالةُ اللَّهْوِ المحرمة كالْمِزمار والكُوبَةِ فلا تصحُّ إعارتُها لأنَّ منفعتها محرمةٌ وببقاءِ عينِهِ إعارةُ نحوِ الشمعةِ والأطعمةِ والصابونِ والدراهمِ والدنانيرِ فلا تصحُّ لأنَّ الانتفاعَ بها على الوجهِ المقصودِ يُؤَدِّي لتَلَفِها نعم إذا استعارَ الدراهمَ والدنانيرَ ونصَّ على أنه للتزيُّنِ بها فقد قال الرافعِيُّ إنَّ المتَّجِهَ القطعُ بالصِّحة. ثم إنَّ الفوائِدَ المستفادةَ من الْمُعارِ قسمانِ لأنها إما أعيانٌ كلبنِ الشاةِ وثمرةِ الشجرةِ وإما منافعُ غيرُ أعيانٍ وهيَ التي سماها المصنفُ رحمه الله تعالى ءَاثارًا كسُكْنَى الدارِ وركوبِ الدابةِ.

   وتصِحُّ العاريةُ (إذا كانت منافعُه) أي الْمُعارِ أي كانت فوائدُه الْمستفادةُ منه (ءاثارًا) ويُفهَمُ منه أنَّ المنافعَ إذا كانت أعيانًا لم تصِحَّ الإعارةُ وهذا ضعيفٌ خلافُ الْمُعتمدِ والْمُعتمدُ الصِّحَّةُ كما لو كانت ءَاثارًا وحينئذٍ تكون الشاةُ مثلًا عاريةً ودَرُّها إباحةً. وعلى الأول لو صَرَّحَ بالإباحة كأن قال خُذْ هذه الشاةَ فقد أبَحْتُكَ دَرَّها ونَسْلَها فالإباحةُ صحيحةٌ والشاةُ عاريةٌ. ويكفي في الصِّيغة لفظُ أحدِهِما مع فِعْلِ الآخَرِ.

  (وتجوزُ العاريةُ) أي عقدُها (مطلقًا) مِن غير تقييدٍ بوقتٍ (ومقيَّدًا بمدةٍ) أي بوقتٍ كأعرتُك هذا الثوبَ شهرًا وحينئذٍ فَلِلْمُستعيرِ أن يَستوفِيَ المنفعةَ بنفسِهِ أو بغيرِهِ ما لم تَنْتَهِ المدةُ فإن انتهت كَفَّ إلا بإذنٍ. والْمُطْلَقَةُ التي لم تُقَيَّدْ بعددِ مرَّاتِ استعمالٍ يَستوفِي المنفعةَ فيها مرةً واحدةً فقط ولا يزيدُ عليها إلا بإذنٍ أو إن دلَّتِ القرينةُ على إطلاقِ استعمالِها أكثرَ مِن مرة. وللمُعِير الرجوعُ في كلٍّ مِنَ المطلقةِ والمقيَّدة متَى شاءَ لأنها عقدٌ جائزٌ مِنَ الطرفينِ.

  (وهيَ) أي العارية إذا تلِفَتْ لا باستعمالٍ مأذونٍ فيه ( مضمونةٌ على المستعيرِ) وإن لم يفرِّطْ في حفظها  وتُضمَنُ ولو مثليَّةً كخشبٍ وحجرٍ (بقيمتِها يومَ تَلَفِها) لا بقيمتِها يومَ قبضِها ولا بأقصى القِيَمِ فإن تَلِفَتْ باستعمالٍ مأذونٍ فيه كإعارةِ ثوبٍ للُبْسِهِ فانسحقَ أو انمحقَ بالاستعمالِ فلا ضمانَ.