(ولا يـجوزُ قتلُ صيدِ الـحَرَمِ) الـمكِّيِّ والـمَدَنِيِّ ومثلُهُما وَجُّ الطائفِ وهو وادٍ بصحراءِ الطائفِ نعم يـختصُّ الضمانِ بصيدِ الـحرم الـمكيِّ فيضمنُه ولو مُكْرَهًا قال الغزِّيُّ هنا (ولا يـجوز قتل صيد الـحرم ولو مكرهًا على قتله) وليس كذلك فإنَّ الـمُكرَهَ لا إثـمَ عليه هنا والصوابُ أن يُقالَ إنَّه يضمنه ولو مكرهًا ولا ضمانَ في صيدِ الـمدينةِ الـمنوّرةِ ولا وادي وَجٍّ. ولـو أحرمَ ثُـمَّ جُنَّ فقتلَ صيدًا لـم يضمنْه في الأظهر. (ولا) يـجوزُ (قطعُ شجرِه) أي الـحَرَمِ الـمكيِّ والـمَدَنِيِّ ومثلُهُما وَجٌّ كما تقدم قال في الـحاوي وحدُّ الشجرةِ أن يقومَ لَـهَا ساقٌ أو يكونَ لـها أغصانٌ اهـ فيـحرُمُ التعرُّضُ بالقلعِ والقطعِ لكلِّ شـجرٍ رطبٍ حَرَمِيٍّ غيـرِ مُؤْذٍ وأمَّا لو قلعَ شجرةً أو غصنًا منَ الـحِلِّ وغرسَها في الـحَرَم فنبتت لـم يثبت لـها حكمُ الـحَرَمِ فلو قلعها هو أو غيـرُهُ فلا شيْءَ عليه بلا خلافٍ. وشـجرُ الـحَرَمِ حرامٌ سواءٌ نبتَ بنفسِهِ أو كان مِـمَّا يستنبتُهُ بنُو ءادَمَ هذا أحدُ القوليـن وهو الـمذهبُ والثاني لا يـحرم منه إلا ما لا يُستنبت في جنسه كالأراك دون النخيل والصنوبر والسفرجل والتيـن والتفاح والعنب فلو استُنبِتَ ما لا يُستنبت أو نبتَ بنفسه ما يُستنبت فالنظر إلى الـجِنْسِ لا إلى الـحال اهـ. ويَـختصُّ الضمانُ بالـحَرَم الـمكيِّ كسابقه ففي الشجرة الكبيـرة بقرةٌ وفي الصغيـرة التي قاربَت سُبُعَها شاةٌ وما جاوزَ سُبُعَ الكبيـرة ولـم يَنْتَهِ إلى حدِّ الكِبَـرِ يَنْبَغِـي أن تـجبَ فيه شاةٌ أعظمُ مِنَ الواجبة في سُبُعِ الكبيـرةِ وإن نَقَصَت عن سُبُعِ الكبيـرة ففيها القيمةُ وفي الأغصانِ الـمقطوعةِ منها إذا لـم تستخلف في سنةِ القطعِ بقدرِ ما نقصَ من قيمةِ الشجرة. وهو مُـخَيَّـرٌ بيـنَ الذَّبْحِ وإخراجِ طعامِ بقيمةِ النَّعَمِ والصيام كالصَّيدِ. ويـجوز لقطُ ورقِ اشجارِ الـحرمِ بيده وكسرُ الأعصانِ الصغارِ للسِّواكِ بيدِه بـحيثُ لا تتأذَّى نفسُ الشجرةِ وأما خبطُ الشجرةِ حتى تساقطَ الورقُ وتكسَّرَتِ الأغصانُ فلا يـجوزُ لأنَّ ذلك يضُرُّ الشجرة. واتفقَ الشافعيةُ على جوازِ اجتناءِ ثـمارها ولو كانت مباحةً كالأراك.
وما يزرعُهُ الآدميُّونَ غيـرَ الشجرِ من نـحوِ الـحِنطةِ والذُّرةِ والبُقولِ والـخَضرَواتِ فيجوزُ لِمَالكه قطعُهُ ولا جزاءَ عليه وإن قطعَهُ غيـرُهُ بلا إذنِ الـمالكِ فعليه قيمتُهُ لِمَالِكِهِ ولا شَيْءَ عليه للمساكينِ وهذا لا خلافَ فيه وأما ما لا يستنبتُهُ الآدميُّونَ فإن كان إذْخِرًا أو مؤذِيًا كالشَّوكِ جازَ قطعُهُ وقلعُهُ وكذا لو كان يُـحتاجُ إليه كالسَّنا والـحنظلِ للتداوي عند وجودِ السبب لا قبلَهُ وكالبقاةِ للتغذِّي ويُؤخذُ منه بقدرِ الـحاجةِ لا أكثـرَ وإن كان كَلَأً جاز تسريـحُ البهائمِ فيه للرَّعْيِ وحَرُمَ قطعُهُ وقلعُهُ رطبًا إلا احتشاشًا لعَلْفِ البهائمِ هو الأصحُّ من الوجهيـنِ عند الرافعيِّ وغيـرِهِ فإن قَلَعَهُ ولـم يُـخلِفْ لزمتْهُ القيمةُ وهو مُـخَيَّرٌ بيـن إخراجِـها طعامًا والصيامِ كما سبقَ في الشجرِ والصيدِ فإن أخلفَ الـمقلوعُ فلا ضمانَ على الصحيحِ. ويـجوزُ قطعُ الـحشيشِ اليابسِ لا قلعُهُ إلا إذا يَبِسَ أصلُهُ بـحيث لا يُنْبِتُ.
(والـمُحِلُّ) بضمِّ الـميمِ وكسـرِ الـحاءِ أي الـحلالُ (والـمُحْرِمُ في ذلك) أي في حُرْمَة صيدِ الـحرميـن وقطعِ نباتـهما وشجرِهـما وضمانِ ذلك (سواءٌ) فـما حَرُمَ على الـمُحرم من ذلك حَرُمَ على الـحلال وما لا فلا وحيث وجبَ الضمان على الـمُحرم بذلك وجب على الـحلالِ.
ولا يـجوز إخراج ترابِ الـحَرَم وحجارته منه فإن أخرجها ردَّها بـخلافِ ماءِ زمزم فيجوزُ إخراجُه. ولا يـجوزُ قطعُ ستـرةِ الكعبة ولا بيعُها وشراؤُها ونقلُها عند بعضِ الشافعية ومَن حـملَ منها شيئًا وجبَ عليه ردُّهُ عندهم وقال بعضُهُم الأمرُ فيـها إلى الإمامِ يصرِفُها في بعضِ مصارفِ بيتِ الـمالِ بيعًا وعطاءً اهـ قاله أبو عمرو بنُ الصلاح وقال النوويُّ هذا الذي اختارَهُ الشيخ أبو عمرٍو حسنٌ متعيِّـنٌ لِئَلَّا يُؤَدِّي إلى تلفِها بطولِ الزمان اهـ.
هذه ءاخِرُ رُبعِ العباداتِ ويليهِ رُبعُ الـمعاملاتِ.