الجمعة أكتوبر 18, 2024
  • من صفات الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

     

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين، وأشهد أنّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين من أرسله الله رحمة للعالمين .

    أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير الذي أرسل محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا.

    أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم الذي رحمنا ببعثة محمد وأنزل على قلب حبيبه محمد:” ولا تطع الكفرين والمنفقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ” . الأحزاب/48 .

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد المنزل عليه : {لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} التوبة/ 128 .

    هو محمد الذي جعل الله خُلُقَه القرءان ، هو محمد الذي يرضى بما يرضاه القرءان ويتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ويلتزم أوامره ولا يغضب لنفسه إلا إذا ارتكبت محارم الله، هو محمد الذي بعثه الله الرحمن بالإرفاق أي رفقًا بهذه الأمّة لكي يتمّم مكارم الأخلاق، هو محمد الذي أشجع الناس أي أقواهم قلبًا وأكثرهم جراءة لملاقاة العدوّ ، هو محمد الذي ما سئل عن شىء قطّ يعني عن أي حاجة من متاع الدنيا يباح إعطاؤها فقال لا إلا إذا كان شيئًا لا يَجِدُهُ، هو محمد الذي كان أصدق الناس لهجة وأَوْفَى الناس ذمة وأحسنَ الناس معاشرة.

    نَظَرُه للأرضِ منه أكثرُ

     

    إلى السماءِ خافِضٌ إذْ يَنْظُرُ

    كان نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، يعني نظره إلى الأرض حالَ السكوت وعدمِ التحدث أطول من نظره إلى السماء، أما حالَ التحدثِ يرفع طرفَه إلى السماء (أيْ إشارةً إلى أنّ السماءَ قبلةُ الدعاء ومهبطُ الرَّحَماتِ والبركاتِ والوحْيِ) ، وكان لا يثبّت بصره في وجه أحد لشدّة حيائه ، هو محمّد الذي كان أكثر الناس تواضعًا وكان أشدّ الناس لأصحابه إكرامًا لهم ومن ذلك أنه كان لا يمدّ رجله بين جلسائه احترامًا لهم ، وكان أرحم الناسِ بكلِّ مؤمن ، ولا يختص برحمته من يعقل فقط بل تعمّ رحمته حتى من لا يعقل كالوحش والطير ، حتى الهرّة تأتيه فيُصْغي لها الإناء (أي يُمِيلُه) لتشرب (حتى يُسْهُل عليها أن تشرب منه) وكان يفعل ذلك غير مرة بل كل هرّة أتته يفعل بها ذلك ، هو محمّد الذي كان يمشي مع المسكين والأرملة إذا أتياه في حاجة ما ، وكان لا يواجه أحدًا من الناس بشىء يكرهه لا سيما جليسَه بل يواجهه بالرضا إلا أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتِ الله ، وكان يقول إذا بلغه عن أحد ما يكرهه : “ما بال أقوام يصنعون كذا” ولا يقول ما بال فلان يفعل كذا ، بل كان يقول : “ما بال أقوام يصنعون كذا “ ، إلا إذا دعت الحكمةُ الشرعيةُ إلى ذلك .

    كان من شدّة رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخلق أنه قيل له: “لو دعوت على من وطىء ظهرك (هذا حصل مرة من بعض كفّار قريش وهو ساجد . وطِئَ أي داس)  وأدمى وجهك وكسر رباعيّتك ولو دعوت على دوس وغيرهم من الكفار” فقال: “إنما بعثت رحمة ولم أبعث لَعّانًا” .

    فلم يجب من سأله إلى الدعاء عليهم بل دعا لهم فقال: “اللهم اهد دوسًا وَأْتِ بهم مسلمين” . فأصبحوا رؤساء في الإسلام ، ودوس قبيلة من اليمن .

    وكان صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه مؤانسة لهم وتآلفًا لِما كانوا عليه من شدّة ، فكان يمازحهم تخفيفًا عليهم لكنه لا يقول إلا حقًا لأنه معصوم عن الكذب .

    وكان صلى الله عليه وسلم يجلس في الأكل مع العبيد الأرقاء ويتشبه بهم في الجلوس للأكل فلا يترفع عليهم ويقول: “إنما أنا عبد ءاكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد” .

    مجلسه صلى الله عليه وسلم مجلس حلم وصبر وحياء، يبدأ من لقيه بالسلام ويؤثر الداخل عليه بالوسادة أو يبسط له ثوبًا زيادة في إكرامه، وكان لا يقول في حالة الرضا والغضب إلا الحق قطعًا لعصمته صلوات ربي وسلامه عليه .

    وتعلمون إخوة الإيمان كم عادت قريشٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من رؤوسهم أبو سفيان بن الحارث وهو غير أبو سفيان بنِ حربٍ) ولكن بعد أن شرح الله صدره للإسلام كيف عامل النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وكيف عامله رسول الله الذي قال ربه فيه : {بالمؤمنين رؤوف رحيم} .

    يقول أبو سفيـان: “لَما كان يومُ حُنَيْنٍ جَمَعَتِ العربُ لِحَرْبِ النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ ما لَمْ تجمع قطّ وأعدّتْ للقائِه ما لَم تعدّ من قبل وعَزَمَتْ على أنْ تَجْعَلَها القاضيةَ على الإسلامِ والمسلمينَ ، وخَـرَجَ الرسولُ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهِ لِلِقائهم في جُمُـوعٍ منْ أصحابِهِ “ قال أبو سفيان: “فخرجت معه ولما التقى الجمعان واشتدّت وطأة المشركين على المسلمين وجعل الناس يتفرقون عن النبيّ “ قال أبو سفيان: “عند ذلك وثبت عن فرسي وكسرت غمد سيفي والله يعلم أني أريد الموت دون رسول الله وأخذ عمي العباس بلجام بغلة النبيّ ووقف بجانبه وأخذت مكاني من الجانب الآخر وفي يميني سيفي أذود به عن رسول الله أما شمالي فكانت ممسكة بركابه فلما نظر النبيّ إلى حسن بلائي قال لعمي العباس : “من هذا ؟ فقال : هذا أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه يا رسول الله فقال : من قال ربّ العزة فيه {بالمؤمنين رؤوف رحيم} : قَدْ فَعَلْتُ وغَفَـر الله لـه كلّ عداوة عادانيها”  قال أبو سفيان: “فاستطار فؤادي فرحًا برضى رسول الله عني وقَـبّلْتُ رجلَه وَحَمَلْتُ على المشركين حَمْلَةً أزالتهم عن مواضعهم” .

    ياسيدي يا قرة عيني يارسول الله ، نظرة منكم ياسيدي يا محمّد .

    اللهمّ عطِّفْ قلب نبيك محمّد علينا وداونا بنظرة منه وأعد علينا ذكرى ولادته بالأمن والأمان يا أرحم الراحمين يا الله .

    هذا وأسغفر الله لي ولكم

     

     

    الخطبة الثانية:   التحذير مما يسمى كتاب مولد العروس

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونشكره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير وبالتمسك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل في حديثه الشريف : “كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ” أي مردود .

    فالأعمال لا تقبل إلا أن توافق الشريعة وموافقة الشرع وعدم موافقته لا يعرف إلا بالعلم ، والعلم لا يؤخذ إلا من أفواه العلماء ، ولا تكفي مطالعة الكتب بغير تلق من أفواه العلماء بل كثير من الناس الذين يضلون سببه أنهم لا يتلقون علم الدين من أفواه العلماء بل يعتمدون على المطالعة في مؤلفات العلماء فكيف الذي يطالع في الكتب التي حشيت بالأحاديث المكذوبة والأخبار المعلولة والغلو المذموم والكذب على الدين والتجسيم والتشبيه أي تشبيه الله بخلقه والعياذ بالله تعالى . ومن أشهر هذه الكتب المدسوسة الكتاب المسمى مولد العروس الذي قيل فيه إن الله قبض قبضة من نور وجهه فقال لها كوني محمدًا فكانت محمدًا ، وفي هذه العبارة نسبة الجزئية لله تعالى وهو تبارك وتعالى منَزه عن الجزئية والانحلال . قال تعالى:{ لم يلد ولم يولد } .

    فهو لا يقبل التعدد والكثرة ولا التجزء والانقسام والله منَزّه عن ذلك لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شىء من خلقه:{ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}.

    وحكم من يعتقد أن محمدا أو غيره جزء من الله أنه ليس بمسلم عند الله يقول الله تعالى:{وجعلوا له من عباده جزءا إنّ الإنسان لكفور مبين} سورة الزخرف ءاية 15 .

    وجاء في التفسير أنّ  الكفار خصّصوا الله ببعض عباده أو بالإناث منهم حيث قالوا الملائكة بنات الله والعياذ بالله من هذا الكفر .

    ومعنى :{لكفورٌ مبين} أي شديدَ الكفرِ، واضحَ الكفرِ .

    وهذا الكتاب المسمى مولد العروس ليس من تأليف ابن الجوزي لأن ابن الجوزي من كبار علماء أهل السنّة والجماعة عقيدته أنّ الله ليس جسمًا كثيفًا كالشجر والحجر والبشر وليس جسمًا لطيفًا كالضوء والظلام والريح ولا يوصف بصفات الأجسام كالحركة والسكون.

    وصدق الإمام أحمد رضي الله عنه بقوله: “مهما تصوّرت ببالك فالله بخلاف ذلك” أي مهما خطر ببالك فالله لا يشبه ذلك.

    واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون . اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.