الخميس نوفمبر 21, 2024
  • تفسير سورة الإخلاص وتفسير الحديث “الله أكثر”

     

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهـد الله فلا مضلّ لـه ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

    أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون . واعلموا أن الله تعالى يقول في القرءان الكريم: {بسم الله الرحمن الرحيم . قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا احد} .

    إخوة الإيمان إن هذه السورة هي من سُوَر القرءان العظيمة مع قصرها لأن فيها من معاني التوحيد وصفات الله ما يظهر عقيدة المسلمين بربهم على معرفته تبارك وتعالى . وقد ورد في هذه السورة “أن من قرأها مرة فكأنما قرأ ثلث القرءان ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرءان ومن قرأها ثلاثًا فكأنما قرأ القرءان كله” .

    وأما عن سبب نزول هذه السورة فهو أن اليهود جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده كان سؤالهم هذا عنادًا وليس حبًا بالعلم واسترشادًا به فأنزل الله تعالى قوله: {قل هو الله احد …} الى ءاخر السورة، فقال عليه الصلاة والسلام: “هذه صفة ربي عز وجل” .

    فقوله تعالى: {قل هو الله احد} أي الذي لا يقبل التعدد والكثرة وليس له شريك في الذات او الصفات او الأفعال ، وليس لأحد صفة كصفاته كما قال تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} أي لا تشبّهوه بخلقه .

    وقوله : {الله الصمد} اي الذي تفتقر اليه جميع المخلوقات مع استغنائه عن كل موجود . فكل شىء يحتاج الى الله، فهو الذي يقصده العباد عند الشدة، فهو تعالى لا يجتلب لنفسه نفعًا منهم ولا يدفع بهم عن نفسه ضررًا، فهم لا ينفعونه ولا يضرونه كما قال تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} . سورة الذاريات 56-57-58 .

    وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} معناه لا ينحل منه شىء اي لا يجوز ان ينفصل منه شىء كما ينفصل عن الرجل ولده، ولا يحل هو في شىء . فالله تعالى ليس أصلاً لغيره ولا فرعًا عن غيره .

    {ولم يكن له كفوًا أحد} أي أنه لا يشبه شيئًا بوجه من الوجوه .

    فمن هنا ايها الأحبة كان لا بد من التحذير من كل كلام فيه تشبيه لله بخلقه او فيه نسبة الجسمية لله او التجزؤ او التعدد والكثرة في حقه تعالى . وأما ما ورد في الحديث الشريف من قوله صلى الله عليه وسلم: “الله أكثر” فليس معناه ان ذاته كثير متعدد بل معناه أكثر إحسانًا او رحمة . اما من فسره أنه بمعنى كثير فهو كافر والعياذ بالله . ويوجد أناس يدعون التصوف يقولون عن الله: وَحدة في كثرة، يقولون: الله واحد وكثير، هؤلاء من أكفر خلق الله وهم يدعون الإسلام والتصوف وكلامهم هذا لا تأويل له. ومن هؤلاء من يقول :

    فما في الوجود سوى واحد

     

    ولكن تكثر لما صفا

    بعض من يدعون التصوف يعملون حلقات ذكر على زعمهم يبدأون فيها بالصلاة على النبي ثم بالتهليل ثم ينتقلون الى قول ءاه وهم واقفون ويتمايلون ، وفي وسطهم فوال ينظم لهم حركاتهم وأصواتهم وهو يردد هذه القصيدة التي فيها هذا الكفر، يقولون : الله كان واحدا ثم صار كثيرا، يقولون لما صار صافيا صار كثيرا، هؤلاء يدعون التصوف وأنهم أهل طريقة حتى ان احد كبارهم سئل كيف تقولون تكثّر لَما صفا فقال: كثرت صفاته. وهذا كفر ايضا والعياذ بالله على كل من يحرف دين الله .

    اخوة الإيمان ، صفات الله ازلية ابدية، الله تعالى ازلي ذاتًا وصفات، فذات الله واحد لا يتعدد وصفاته ازلية ابدية لا تزيد وتنقص فهو موصوف بكل صفات الكمال التي تليق به كالقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والحياة وهو تعالى منَزّه عن كل نقص اي ما لا يليق به تعالى . فاحذروا من كثير من الذين يدعون التصوف والطريقة، فإنهم دخلوا في الكفر وهم لا يشعرون بل يظنون انهم صاروا من اولياء الله وهم في الحقيقة يتغنّون في الكفر حتى قال بعضهم عن الله: إنه كالماء الذي ضمن الثلج . وهؤلاء كفرهم اشدّ من كفر الذين لا ينتسبون الى الاسلام بل يعادونه ظاهرًا وباطنًا من الذين ينسبون لله الولد، فمن قال إن لله ولدًا او زوجة او أبًا كفره خفيف بالنسبة لكفر هؤلاء الذين يدعون الإسلام والطريقة والتصوف ثم يقولون ذاك القول الفاسد . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

     
    هذا وأستغفر الله لي ولكم
     

     

     

     

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.