تصافَوِا الحُبَّ في اللهِ
مع شرح حديث: “دبّ إليكم داء الأمم قبلكم …”
إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد أي ليس له شبيه ولا مثيل. هو الله الواحد الأحد الذي رفع السماء بلا عمد وأنزل القرءان على سيدنا محمد، هو الله القادر على كل شىء ولا يعجزه شىء أبدا، هو الله الذي ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.
وأشهدُ أنّ سَيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبده ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ ، من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرا، اللهم صل على سيدنا محمد الداعي إلى الخير والرشاد، الداعي إلى التباذل والتناصح والتزاور والتحاب في الله. اللهم صل على سيدنا محمد سيد الأنبياء والمرسلين وسلم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.
أما بعد عباد الله، فإني أحبكم في الله وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (سورة الحشر/18) .
ويقول ربنا نبارك وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الآية (سورة الحجرات/10).
وقال عليه الصلاة والسلام: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا” .
إخوة الإسلام، يا إخوتي في الله إن من أعظم ما يكتسبه الإنسان في الحياة الدنيا وأنفعه في الآخرة محبة المسلم لأخيه المسلم، المحبة التي فيها التعاون على ما يرضي الله، ليس المراد التحاب على الهوى، فهذه المحبة التي فيها التعاون على ما يرضي الله يكون صاحبها في ظل العرش يوم القيامه ذلك اليوم الذي ليس فيه بيت ولا جبل ولا شجر ولا كهف إنما يظل المؤمن في ذلك اليوم عمله الصالح . ومن جملة العمل الصالح الذي يظل صاحبه في ذلك اليوم التحاب في الله، محبة المسلم لأخيه في ما يرضي الله تبارك وتعالى هذه المحبة التي تجعل صاحبها في الآخرة في ظل العرش لا يصيبه حر شمس يوم القيامة، حر شمس يوم القيامه أشد بكثير من حرها في الدنيا . اللهم أجرنا من حرها في ذلك اليوم العظيم واجعلنا من المتحابين المتناصحين يا ارحم الراحمين.
ومن معاني التحابِّ في الله أن يتعاون المسلم مع أخيه على ما يحب الله ولا يغشَ أحدهما الآخر أي لا يزين له المعصيه ولا يغشه في المعامله بل يبذل له النصح، يحب له ما يحب لنفسه أي الخير الذي يحبه لنفسه يحبه لأخيه، والشر الذي يكرهه لنفسه مما هو شر في شرع الله يكرهه لأخيه، وهذا الأمر هو الكمال للمسلم، المسلم لا يكون مؤمنًا كاملاً أي في الدرجة العليا إلا إذا كان بهذه الصفة أي يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
واسمعوا معي جيدًا كلامَ سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين حيث قال: “دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقه حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا انبئكم بشىء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم” (رواه احمد والترمذي) .
دب إليكم أي سار اليكم داء الأمم قبلكم، أي مرض القلوب الذي هو عادة الأمم الماضيه الحسد والبغضاء. وهي الحالقه حالقة الدين (أي الخصلة التي شأنها أن تُهلِك) لا حالقة الشعر. وأرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى ما يزيل الضغائن أي الأحقادِ ويورث التحابب قال: ” أَفشوا السلام بينكم” .
ثم إن الله تبارك وتعالى قال في الحديث القدسي: “حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتباذلين في” .
فينبغي أن نتحلى بهذه الأوصاف حتى نكون في الدار الآخرة على سرر متقابلين فعلينا بالتحاب والتناصح والتزاور والتباذل ولا ينبغي أن يتتبع الواحد منا مساوئ أخيه فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس بل ينبغي أن يسامحه إن أساء اليه وإن أحسن إليه أن يعامله بالإحسان، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل به فقال يا رسول الله إني لأحب هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أأعلمته قال لا قال أعمله فلحقه فقال إني أحبك في الله فقال أحبك الله الذي أحببتني له. (رواه ابو داود) .
ومعنى هذا الدعاء إخوة الإيمان أي معنى أحبك الله أي جعلك خاليًا من الذنوب.
رب اغفر لنا وارحمنا واجعلنا من المتحابين ابتغاء مرضاتك ومن المتزاورين المتباذلين واحشرنا تحت ظل العرش إنك يا ربنا على كل شىء قدير .
هذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
الخُطبةُ الثانيةُ :
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ محمّد . عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ فاتقوه.
واعلَموا أيها الأحِبّةُ أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}،{2} سورة الحجّ ،اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ .