الخميس نوفمبر 21, 2024
  • تربية الأولاد

     

    إنّ الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

     

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ  ولا ندّ له. وأشهد أن سيّدنا و حبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه صلى الله وسلّم عليه وعلى كل رسول أرسله.

     

    أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في كتابه الكريم:    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ     . سورة التحريم  /  6

     

    إخوة الإيمان، إن تربية الأولاد من أهم الأمور وأوكدها، فالولد أمانة عند والديه وقلبه جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عوّد الخير وعلمه ونشأ عليه سعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلّم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيّم عليه.

     

    فمع اشتداد حر الصيف وقبل أن تسأل نفسك أين أنا من الترفيه والرفاهية على البحر أم في الجبل سل نفسك أين أنا من تطبيق قول الله تعالى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.

    فالله تعالى أمر عباده بأن يحفظوا أنفسهم وأن يحفظوا أهليهم من نار جهنم، وهي أشد نار خلقها الله تعالى. اللهمّ أجرنا منها يا رب العالمين .

    سل نفسك أين أنا وأولادي من مجالس علم الدين عند الثقات، فبالله عليكم من منّا لا يتغنى بصلاح الدين البطل الذي حرّر بيت المقدس ، أما سألت نفسك يوما كيف حرّرها ؟ حرّرها بتقواه لأنه كان عالِمًا وحافظًا للقرءان وحافظًا لكتاب التنبيه في الفقه الشافعي وكان شديد الاهتمام بعقيدة المسلمين عقيدة الأنبياء والمرسلين العقيدة المحمدية الأشعرية، كان يأمر المؤذنين أن يقرأوا هذه العقيدة على الْمآذن قبل الفجر ليسمع جيران المسجد، ثم إنه قرر تدريس كتاب العقيدة الأشعرية للصغار والكبار حتى الصغار الذين في الكتاتيب كانوا يعلّمون هذه الأبيات العظيمة:

     

    وصانع العالم لا يحويه

     

    قطر تعالى الله عن تشبيه

    قد كان موجودًا ولا مكانا

     

    وحكمه الآن على ما كانا

    سبحانه جلّ عن المكان

     

    وعزّ عن تغيّر الزمان

    فقد غلا وزاد في الغلوّ

     

    من خصه بجهة العلوّ

    وحصر الصانع في السماء

     

    مبدعها والعرش فوق الماء

    وأثبتوا لذاته التحيّزا

     

    قد ضلّ ذو التشبيه فيما جوزا

     

    الله تعالى لا يحويه قطر، والقطر إخوة الإيمان معناه الجهة، فالله تعالى ليس في جهة، ويرد في هذه الأبيات على الذين حيّزوا الله في مكان الذين يقولون بأن الله في جهة ومكان وبين أنّهم ضلاّل .

    فكما أن البنّاء يبني أولاً الأساس المتين الصلب الجيد، كذلك أحببنا أن نشير إليكم إلى الاهتمام بأولادكم وأن تبدأوا بالأساس بالأصل الذي يقدم على الفرع ألا وهو علم العقيدة . كما اهتم بذلك السلطان البطل صلاح الدين رضي الله عنه .

    ويقول حبيبنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيّته”. ففي هذا الحديث الشريف يبين لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أهمية أن يتحمل كل واحد المسئولية الملقاة على عاتقه.

    واسمعوا معي جيدًا كيف نشأ سهل بن عبد الله التستري الولي العارف بالله. قال: “كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يومًا ألا تذكر الله الذي خلقك، يخاطب ابن ثلاث سنين ألا تذكر الله الذي خلقك؟ قال: فقلت كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلّبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به  لسانك: الله معي أي الله عالم بي الله ناظر إليّ الله شاهد فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال: قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ثم أعلمته فقال قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة قال لي خالي احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يومًا: يا سهل ، من كان الله معه (أي عالم به) وناظرًا إليه أيعصيه؟ إياك والمعصية” .

    هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

     

     

     

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.