المؤمنون إخوة
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فـلا مضلّ لـه ومن يضلل فلا هادي لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمةً للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} . (سورة التوبة/71) .
وقال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} (سورة الحجرات/10)
وقال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منـه عضوٌ تداعـى له سائر الجسد بالسهر والحمّى” (رواه مسلم) .
إخوة الإيمان، إن التعاون والتكاتف والتضامن شىء مهم لبناء مجتمع سليم، وإنّ نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم علّم أمّته كيف يُبنى المجتمع السليم وذلك باتباع هدْي النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “وخير الهدي هدي محمّد” صلى الله عليه وسلم، وإنّ السبيل للسير على خطى النبي هو اتباع كتاب الله وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
واعلموا عباد الله أن وحدة المسلمين تظهر عندما يتكاتف المسلمون في محاربة الكفر والضلال الذي هو أعظم المخاطر لأن من وقع في كفريّة ومات قبل الرجوع عنها كان مآله الخلود في نار جهنم لا يخرج منها أبدًا، فإنقاذ الناس من الكفر اعظم من إنقاذهم من قطّاع الطرق والجبابرة الظالمين ، فليس معنى وحدة المسلمين فقط في أن تساعد أخاك المسلم إذا مرض تداويه وتعينه في حاجاته وتدفع عنه من يريد ضربه بغير حقّ أو أخذ ماله بغير حقّ وأن تحزن لحزنه وتفرح لفرحه، بل أعظم من هذا كلّه يا عباد الله أن تحصّنه من الوقوع في الكفر وأن تعلّمه كيف يدافع عن دينه من كثير من الفرق الضالة الذين مراد كثير منهم الجاه والسلطة والمال.
إخوة الإيمان، إن يوم الوقوف بعرفة، وإن اجتماع الناس فيه على جبل عرفات فيه عبرة عظيمة، وهو يوم مبارك، وهو أفضل أيام السنة فأكثروا من الطاعات في هذا اليوم والتزوّد ليوم المعاد وانظروا إلى قول القائل:
تزوّد من حياتك للمعادِ |
| وقم لله واجمع خير زادِ |
ولا نركن إلى الدنيا طويلاً |
| فإنّ المال يُجمع للنفاذ |
إخوة الإيما إنّ ازدحام الحجّاج بالآلاف على جبل عرفة على اختلاف أولوانهم وصورهم ولغاتهم وارتفاع أصواتهم واتّباع كلِّ فرقة لقائدهم ومرشدهم في التردّد على المشاعر والمشاهد في حال مؤثّر فيه حكمة عظيمة وذكرى جليلة. كلّ ذلك يذكّرنا بمواقف يوم القيامة يوم العرض الأكبر، وما فيه من مواقف عظيمة، في هذا الموقف يتذكّر الحاجّ أيضًا اجتماع الأمم مع أنبيائهم يوم الحساب وكيف أن كل امّة تقتفي نبيّها ويطمع العصاة من المسلمين في شفاعتهم.
إخوة الإيمان، ليكن لنا في موقف الناس هذا عبرة لنشحذ هِممنا على التكاتق والتعاضد في مواجهة الكفر والضلال ومحاربته، ولنكن عاملين بما أمرنا الله به فإن الاعتصام بحبل الله يكون بالتمسك بالدين الحنيف دين جميع الأنبياء من ءادم إلى محمد والوقوف عند حدوده من غير مغالاتٍ ولا إفراط ولا تفريط . يقول الله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (ءال عمران/110) .
عباد الله إن من لم يعرف المنكر كيف ينهى عنه؟ فسارعوا لطلب العلم من أهله وتعليم أهليكم ذلك لتنقذوهم من مزالق شياطين الإنس وشياطين الجنّ . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعلّم وعلّم وعمل بِما علم يُدعى في السماء عظيمًا” أي أنه يُدعى بين الملائكة بذلك.
وقال عليٌّ رضي الله عنه: “ويل لمن لا يعلم وويل لمن علِم ثُمّ لم يعمل” . والويل هو الهلاك الشديد.
واعلموا يا عباد الله أن محبّة الأنبياء والأولياء وحدها من غير علم ولا عمل لا تنقذ صاحبها من النار وإنّما المحبة تنفع مع العلم والعمل ، وإن مِمّا ينفع الناس مع الاعتقاد السليم هو التوسّل برسول الله .
عباد الله إن التوسل برسول الله قربة من القربات وإن نبينا صلى الله عليه وسلم ينفع الناس في حياته وبعد مماته.
جعلني الله وإيّاكم من الذين يغفر الله لهم ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الأمين ، وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أنّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فاتقوا الله في السرّ والعلن. يقول الله تعالى في القرءان الكريم: {يا أيها الناس اتقوا ربّكم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}. (سورة الحج/1) .
إخوة الإيمان، يوم العاشر من ذي الحجة هو عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم بالخير والنصر والبركة، وفي هذا اليوم تعمّ الفرحة والسرور قلب المسلمين لقدوم هذا العيد المبارك، وفي هذه الصبيحة المباركة من هذا العيد وهو يوم النحر يتوجّه الحجّاج إلى منى لرمي جمرة العقبة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنا معاشر المؤمنين في رمي الجمار حكمة عظيمة، ففيه يتذكّر الحاجّ كيف ظهر الشيطان لسيدنا إبراهيم ليوسوس له فرماه بالحصى إهانة له، فنحن معاشر أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أُمرنا بهذا الرمي إحياءً لسنّة نبي الله إبراهيم، وفي ذلك رمزٌ لمخالفة الشيطان وإهانته .
أيها المسلمون، إنّ عيد الأضحى يحمل في طيّاته معاني سامية، والأضاحي التي يذبحها المسلمون تقرّبًا إلى الله سبحانه في يوم العيد تحمل ذكرى عظيمة سوف نذكر لكم بعض تفاصيلها في خطبتنا القادمة إن شاء الله.
ثم إني أذكركم يا عباد الله بهذه المناسبة العظيمة التأكيد على العمل بقول رسول الله: “أطعم الطعام وصلِ الأرحام” (رواه الإمام احمد).
وأن لا يبيت أحدكم وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به، فكيف إذا كان هذا الإنسان من أقربائك فبالأولى أن توليه عنايتك وتشعره بإخوّتك له وعطفك عليه. وكذلك لا تنسوا يا عبادة الله الأرامل والأيتام والمساكين. فقد مدح الله الذين يعطفون عليهم بقوله: “يطعمون الطعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا” (سورة الدهر/8) .
كما أذكّركم أيها الأحبة وقد اقترب شهر نيسان من الكذب فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام: “لا يصلح الكذب في جدٍّ ولا هزل” وهو من العادات القبيحة التي تفشى بين الكثيرين وهو حرام بالإجماع سواء كان في حالة الجد أو حالة الهزل والمزاح . فاقتدوا أيها الأحبّة برسول الله الذي قال: “إني لأمزح ولا أقول إلا حقًا” .
إخوة الإيمان، إن الكذب صفة مذمومة وعادة قبيحة تأباها النفوس الطاهرة الأبيّة، وإن الكذب يا عباد الله إذا تفشى في مجتمع من المجتمعات كان سببًا في الخراب والويلات لأهله، يقول عليه الصلاة والسلام: إياك والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابا” (رواه مسلم).
وما أكثر من هلك باستعمال لسانه بالكذب والمزاح الذي فيه كذب، وإنّ أشدّ ما يكون من ذلك إذا كان يتضمّن تحليل حرام أو تحريم حلال أوترويع مسلم .
أخي المسلم، تذكّر أن اللسان من نِعم الله تعالى الجليلة عليك فاحرص على أن تستعمله في الحلال وفي طاعة الله عزّ وجلّ وإيّاك أن تستعمله في الفجور والمعاصي فيقودك إلى النار يوم القيامة، وتذكّر قول الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسانُ |
| لا يلدغَنّك إنه ثعبانُ |
كم في المقابر من قتيل لسانهِ |
| كانت تهاب لقاءه الشجعانُ |
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ {إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا} اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: {يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.