الإثنين ديسمبر 23, 2024
  • 3- الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

    الْخُطْبَةُ الأُولَى:

    الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَسْتَهْدِيهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَّمَانِ الأَكْمَلانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا جَاءَنَا بِالْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْهَا الْغُمَّةَ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْمُؤْمِنُونَ أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ الْقَائِلِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَريِمِ: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.

    عباد الله، يعيشُ عشاقُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في شهرِ ربيعِ الأولِ من كلِ سنةٍ أيامَ  فرَحٍ وسرورٍ بمولدِ حبيبِهم وسيدِهم ونورِ عينِهم وقُرةِ أعينُهم وقائدِهم وإمامِهم محمدٍ عليه الصلاة والسلام ويُعَبِّرونَ عن فَرَحِهِم وسرورِهم بإقامةِ احتِفالاتِ المولدِ هنا وهناك بينما يُخَيِّمُ اليأسُ فوقَ رؤوسِ الذينَ يُحرِمونَهُ فتراهُم يَعيشونَ حالةَ اكتئابٍ وإحباطٍ يتفاقم و يأسٍ يَتعاظم بعدَ فَشَلِ ما بَذلوا في سبيلِ مَنْعِ المولدِ وتَنفيرِ الناسِ منه. فإنهم في كلِّ سنةٍ يُضاعِفونَ الجهودَ ويَبذُلونَ الغالي والنفيسَ ويَبُثّونَ أتباعَهم في صُفوفِ الجماهيرِ لتَثبيتِهم على الوفاءِ له ذا الهدفِ القبيحِ، والغايةِ الخاسرةِ ومع ذلكَ يَرجِعونَ في كلِ سنةٍ على أعقابِهم يَجُرونَ ذُيولَ الخيبةِ وراءَهم وهُم صاغِرون فَمنهم من يَفقِدُ الأملَ في تَحقيقِ غايَتِهِ ومنهم من يكاد. والله يهدي من يشاءُ ويُضِلُ من يشاء والحمدُ لله على نعمةِ الإسلامِ وحبِ النبيِ عليه الصلاة السلام.  نُتابِعُ ما بدأنا بهِ في بيانِ جَوازِ الاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النبوي الشريف وَأَنَّ فيهِ أَجْرًا وَثَوَابًا. ليُعلم أنَّ الْمَوْلِدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ كَمَا قيلَ إِنَّ أصلَهُ هُوَ أنَّ أُناسًا كانُوا يَحْتَفِلُونَ بِوفاتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ ذَكَرَ الْحُفَّاظُ والعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحابِ التَّوارِيخِ وغَيْرِهِم أنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَحْدَثَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ هُوَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ الَّذي كانَ يَحْكُمُ إِرْبِلَ، وَهُوَ وَرِعٌ، صالِحٌ، عالِمٌ، شُجَاعٌ، ذُو عِنَايَةٍ بِالْجِهَادِ، كانَ من الأَبْطالِ، مَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ الفِرِنْجَ بِعَكَّا، هُوَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَحْدَثَ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ وافَقَهُ العُلَماءُ والفُقَهاءُ، حَتَّى عُلَمَاءُ غَيْرِ بَلَدِهِ الَّذي يَحْكُمُهُ، وقد ذَكَرَ ذَلِكَ الْحافِظُ السيوطِيُّ في كِتابِهِ الأوائِلِ، ولا زالَ الْمُسْلِمونَ على ذَلِكَ مُنْذُ ثَمانِمِائةِ سَنَةٍ حَتَّى الآنَ. فأيُّ أَمرٍ اسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وأَجْمَعوا عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَيُّ شىءٍ اسْتَقْبَحَهُ عُلَمَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ قَبيحٌ، ومَعْلومٌ أنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ لا يَجْتَمِعُونَ على ضَلالَةٍ لِحديثِ “إِنَّ أُمَّتي لا تَجْتَمِعُ على ضَلالة”ٍ رَواهُ ابنُ ماجَه في سُنَنِهِ، فلا عبرةَ بكلامِ من أفتى بخلافِ إجماعِهم لأنهُ ليسَ كلامَ مُجتَهد ، والعبرةُ إنما هي بما وافَقَ كلامَ العلماءِ المعتبرين ، والأصلُ في الأشياءِ الإباحةُ ما لم يَرِدِ التحريم.، ودين الله يُسْرٌ وليسَ بعُسْرٍ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد. أيها الإخوة المؤمنون اثبتوا على اعتقاد أنَّ المولدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ واعلموا أنه لا يُقالُ عَنْهُ لوْ كانَ خَيْرًا لنصّ عليه الرَّسُولُ أو لعمله ،  فَجَمْعُ الْمُصْحَفِ وَنَقْطُهُ وتَشْكيلُهُ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. واستعمال الآلات الكهربائية من نحو الكاميرا والكمبيوتر والمذياع والراديو والتلفزيون لنشر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوسيع دائرة الدعوة عَمَلُ خَيرٍ مَعَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم ما نَصَّ عليهِ ولا عَمِلَهُ. فَهُؤلاءِ الَّذينَ يَمْنَعُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعوى أنَّهُ لَوْ كانَ خَيْرًا لَدَلَّنا الرَّسولُ عليهِ وَهُم أَنْفُسُهُم يَشْتَغِلُونَ في تَشْكيلِ الْمُصْحَفِ وَتَنْقيطِهِ يَقَعونَ في أَحَدِ أمْرَيْنِ : فَإِمَّا أنْ يَقولُوا إِنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ لَيْسَ عَمَلَ خَيْرٍ لأنَّ الرَّسولَ ما فَعَلَهُ وَلَمْ يَدُلَّ الأُمَّةَ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ، وإِمَّا أنْ يَقولُوا إنَّ نَقْطَ الْمُصْحَفِ وتَشْكيلَهُ عَمَلُ خيرٍ ولَو لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسولُ وَلَمْ ينصَّ عليهِ وَمَعَ ذَلِكَ نَحْنُ نَعْمَلُهُ. وَفي كِلا الْحالَيْنِ نَاقَضُوا أَنْفُسَهُم وزالت شبهتُم. فيا أيها الإخوة المؤمنون ازدادوا حبا بالرسول واحتفلوا بمولد الرسول واثبتوا على اعتقاد أنَّ المولدَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ فيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ وَلَيْسَ فيهِ تَكذيبٌ لِقَولِهِ تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كما يُمَوِّهُ المانعون على الناس لأنَّ الآية مَعْناها أنَّ قواعِدَ الدِّينِ تَمَّت، قالَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ “وَقالَ الْجُمْهُورُ : الْمُرادُ مُعْظَمُ الفَرَائِضِ والتَّحليلِ والتَّحْريمِ، قالوا  وقَد نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قُرءانٌ كثيرٌ، ونَزَلَتْ ءايةُ الرِّبا وَنَزَلَت ءايةُ الكَلالَةِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ”. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ هِيَ ءاخِرَ ءايَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرءانِ بَلْ ءاخِرُ ءايَةٍ نَزَلَتْ هِيَ قولُهُ تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون} وقد ذَكَرَ ذَلِكَ القُرطُبِيُّ في تَفْسيرِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فماذا يقول المانعون بعدما ثبت أن قول الله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ لَيْسَتْ هِيَ ءاخِرَ ءايَةٍ نَزَلَت مِنَ القُرءانِ الكريم ؟ هل سيضربون بالآيات التي نزلت بعد هذه الآية عُرض الحائط أم يقولون إنها ليست من الدينِ في شيءٍ أم يَتهمونَ الرسولَ بأنه افترى على اللهِ وزادَ في كتابِ الله ما ليسَ منه؟ وليُعلم يا أحبابنا الكرام أن تَحريم المولدِ وتنفيرَ الناسِ منه والاستهزاءَ والسخريةَ بهذه المناسبةِ العظيمةِ فيه تطاولٌ على صاحبِ الذكرى صلى الله عليه وسلم وإساءةٌ لما يزيدُ عن مليار ومائتي مليون مسلم يعشقونَ محمدًا ويُحبونه ويُؤمنونَ به صلى الله عليه وسلم ولن تزيدَهم هذه الحملةُ المسعورةُ على المولدِ النبوي الشريف إلا صلابةً وثباتا على هذه البدعة الحسنة حبًا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

     

    أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ.

    الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.