الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ، لا حَجْمَ وَلا مَكَانَ وَلا شَكْلَ وَلا هَيْئَةَ وَلا أَعْضَاءَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُحِبُّكُمْ فِي اللَّهِ وَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾.
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ: الْمَالُ وَالأَبْنَاءُ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ أَمَّا الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ، الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هِيَ الْحَسَنَاتُ الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ وَالذِّكْرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ وَالصَّدَقَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالْبَاقِيَاتُ﴾ لأِنَّ ثَوَابَ الْحَسَنَاتِ دَائِمٌ لا يَنْقَطِعُ لأِنَّ الآخِرَةَ لا نِهَايَةَ لَهَا حَيَاةٌ لَيْسَ بَعْدَهَا مَوْتٌ وَصِحَّةٌ لَيْسَ بَعْدَهَا مَرَضٌ وَشَبَابٌ لَيْسَ بَعْدَهُ هَرَمٌ وَرَاحَةٌ لَيْسَ بَعْدَهَا تَعَبٌ، أَمَّا زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَالأَوْلادُ نِهَايَتُهُمُ الْمَوْتُ هَذَا يَمُوتُ يَوْمَ يُولَدُ وَهَذَا يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَعِيشَ أُسْبُوعًا وَهَذَا يَمُوتُ بَعْدَ سَنَةٍ وَهَذَا يَمُوتُ قَبْلَ الشَّبَابِ وَقَدْ يَمُوتُ الْحَفِيدُ قَبْلَ الْجَدِّ. أَفْرَاحُ الدُّنْيَا سَرِيعَةُ الزَّوَالِ وَالْمَالُ كَذَلِكَ سَرِيعُ الزَّوَالِ. فَالْعَاقِلُ وَالْكَيِّسُ الْفَطِنُ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي عَوَاقِبِ الأُمُورِ وَيَعْمَلُ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم “أَكْيَسُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ” أَيْ أَنَّ أَعْقَلَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يَسْتَعِدُّ لِمَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لأِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مُرُورٍ وَالآخِرَةُ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ الَّذِي لا نِهَايَةَ لَهُ، فَالنَّاسُ فِيهَا عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَصِنْفٌ مُؤْمِنٌ أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يَرْتَكِبُ كَبَائِرَ الذُّنُوبِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، وَصِنْفٌ كُفَّارٌ.
فَالْفَرِيقُ الأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ التَّقِيَّ إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ تَأْتِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَيُبَشِّرُونَهُ بِالْجَنَّةِ فَيَذْهَبُ عَنْهُ الْخَوْفُ مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تُفَارِقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ يَكُونُ الرُّوحُ مَعَ الْمَلائِكَةِ وَيُصْعَدُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مَلائِكَةٌ يُبَشِّرُونَهُ فَيَسْمَعُ تَبْشِيرَهُمْ وَهَكَذَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ثُمَّ يُسَجَّلُ اسْمُهُ فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ يَنْزِلُونَ بِهِ، ثُمَّ إِذَا حُمِلَ الْجَسَدُ لِلدَّفْنِ هَذَا الرُّوحُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ يُنَادِي قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي يُحِبُّ أَنْ يُعَجَّلَ بِهِ إِلَى الْقَبْرِ ثُمَّ يَعُودُ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ وَيَسْأَلُهُ الْمَلَكَانِ ثُمَّ يَقُولانِ لَهُ نَمْ فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. الرَّسُولُ قَالَ فَيَنَامُ وَيُوَسَّعُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَبَعْضٌ يُوسَّعُ لَهُ مَدَّ الْبَصَرِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى قَبْرِهِ يَأْتِيهِ رَائِحَةُ الْجَنَّةِ فَلا يَلْقَى شَيْئًا يُنَغِّصُ رَاحَتَهُ بَلْ يَكُونُ بِحَالَةٍ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَيَكُونُ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لا يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا.
وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي وَهُمْ مَنْ يَمُوتُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ كَبَائِرُ الذُّنُوبِ فَهُمْ قِسْمَانِ قِسْمٌ لا يُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ عَذَابٌ وَلا نَكَدٌ وَقِسْمٌ يُصِيبُهُمْ نَكَدٌ، مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّ مَلائِكَةَ الْعَذَابِ يَحْضُرُونَهُ قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ فَيَضْرِبُونَهُ مِنْ أَمَامٍ وَمِنْ خَلْفٍ وَهُوَ يَشْعُرُ وَمَنْ حَوْلَهُ لا يَشْعُرُونَ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْرُخَ أَوْ يُفْلِتَ مِنْ أَيْدِيهِمْ لأِنَّ أَعْصَابَهُ لا تَعْمَلُ مِنْ شِدَّةِ أَلَمِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ثُمَّ يُبَشِّرُونَهُ بِعَذَابِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا خَرَجَتِ الرُّوحُ يَصْعَدُ هَؤُلاءِ الْمَلائِكَةُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِهِ حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَلا يُفْتَحُ لَهُ بَابُ السَّمَاءِ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ فَيُرَدُّ إِلَى الأَرْضِ فَيُنْزَلُ بِهِ مِنْ بَابٍ فِي هَذِهِ الأَرْضِ يَنْفُذُ إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ وَيُسَجَّلُ اسْمُهُ فِي دِيوَانِ الْكُفَّارِ ثُمَّ يَرُدُّونَهُ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ فَإِذَا حُمِلَ الْجَسَدُ لِلدَّفْنِ يَقُولُ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا يَعْنِي رُوحَهُ فَإِذَا دُفِنَ يَأْتِيهِ الْمَلَكَانِ فَيَسْأَلانِهِ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ ثُمَّ يَبْقَى فِي نَكَدٍ دَائِمٍ. فَالْكَافِرُ عِنْدَ الْمَوْتِ يَرَى مَلائِكَةَ الْعَذَابِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهُ مِنْ أَمَامٍ وَمِنْ خَلْفٍ وَيَقُولُونَ لَهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَئِذٍ يَعْرِفُ نَفْسَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ أَمَّا الْوَلِيُّ فَيَقُولُ لَهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ نَظَرَ فَرَحٍ فَيَدْخُلُهُ سُرُورٌ عَظِيمٌ تِلْكَ السَّاعَةَ وَيُحِبُّ أَنْ يُعَجَّلَ بِهِ إِلَى الْقَبْرِ.
وَأَمَّا رُوحُ الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ فَإِذَا بَلِيَ جَسَدُهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ عَجْبُ الذَّنَبِ وَهُوَ عَظْمٌ صَغِيرٌ كَحَبَّةِ خَرْدَلٍ يُصْعَدُ بِالرُّوحِ إِلَى الْجَنَّةِ لِيَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ لَكِنَّهُ لا يَسْكُنُ الْمَكَانَ الَّذِي يَسْكُنُهُ فِي الآخِرَةِ إِنَّمَا فِي مُنْطَلَقٍ فِي الْجَنَّةِ يَعِيشُ، يَكُونُ الرُّوحُ بِشَكْلِ طَائِرٍ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ غَيْرُ التَّقِيِّ يُصْعَدُ بِرُوحِهِ بَعْدَ فَنَاءِ جَسَدِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذَلِكَ الْعَظْمُ الصَّغِيرُ فَيَكُونُ مُسْتَقَرُّهُ هَذَا الْفَرَاغَ الَّذِي بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الأُولَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ وَبَعْضُهُمْ يَكُونُونَ دَاخِلَ السَّمَاءِ الأُولَى وَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ الْجَسَدَ كَمَا كَانَ وَيُعِيدَ الرُّوحَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا رُوحُ الْكَافِرِ بَعْدَ بِلِىِّ جَسَدِهِ فَيُنْزَلُ بِهِ إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ وَيُسَجَّلُ فِي دِيوَانِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ الأَتْقِيَاءُ يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّ الْعَرْشِ، يَوْمُ الْقِيَامَةِ طَوِيلٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ الْمُؤْمِنُ التَّقِيُّ اللَّهُ يَجْعَلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ أَخَفَّ مِنْ صَلاةِ فَرِيضَةٍ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ مَا مُلِئَ سُرُورًا لا يُحِسُّ بِشَىْءٍ مِنَ النَّكَدِ وَلا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لأِنَّهُ يَكُونُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ.
فَكُلُّ نَعِيمٍ يَنَالُهُ الْمُسْلِمُ فِي الآخِرَةِ شَرْطُهُ الإِيْمَانُ وَالإِسْلامُ، وَالإِيْمَانُ أَسَاسُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ فَهُوَ كَاِفرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ زَعَمَ هَذَا الإِنْسَانُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ كَكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لا يَعْرِفُونَ خَالِقَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ أَنَّهُ فِي سَمَاءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ أَوْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ هَؤُلاءِ مَا عَرَفُوا اللَّهَ لَوْ صَلُّوا وَصَامُوا وَظَنُّوا بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ.
فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ لَيْسَ لِوُجُودِهِ ابْتِدَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْمَكَانِ وَالْفَرَاغِ وَالْعَرْشِ وَالسَّمَوَاتِ مَوْجُودًا بِلا بِدَايَةٍ.
هَؤُلاءِ الْمُشَبِّهَةُ مَا عَرَفُوا اللَّهَ تَعَالَى، يَقْرَأُونَ الْقُرْءَانَ وَيَقْرَأُونَ فِي الْقُرْءَانِ هَذَا الآيَةَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌ﴾ وَمَعَ هَذَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مَلأَ الْعَرْشَ قَاعِدٌ عَلَيْهِ.
فَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَكُونُ بِاعْتِقَادِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَجْمِ وَالشَّكْلِ مَوْجُودٌ لَيْسَ حَجْمًا صَغِيرًا وَلا حَجْمًا كَبِيرًا وَلا هُوَ مُتَحَرِّكٌ وَلا هُوَ سَاكِنٌ لا يَتَحَيَّزُ فِي مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ وَهَذِهِ الْعَقِيدَةُ هِيَ عَقِيدَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً.
إِخْوَانِي: عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ عِلْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُوَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ هُوَ مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ لأِنَّ الَّذِي لا يَتَعَلَّمُ عِلْمَ الدِّينِ قَدْ يَظُنُّ بِنَفْسِِهِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ لا يَفْهَمُ الإِسْلامَ، عِنْدَ الْمَوْتِ يَتَبَيَّنُ لَهُ، مَنْ كَانَتْ عَقِيدَتُهُ فَاسِدَةً، عِنْدَ الْمَوْتِ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ يَحْضُرُونَ فَيَضْرِبُونَهُ مِنْ أَمَامٍ وَمِنْ خَلْفٍ فَيَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا. شَخْصٌ كَافِرٌ كَانَ فِي حَالِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ صَارَ يَقُولُ خَلِّصُونِي مِنْ هَؤُلاءِ، خَلِّصُونِي مِنْ هَؤُلاءِ. هُوَ يَرَاهُمْ وَيُحِسُّ بِالْعَذَابِ بِضَرَبَاتِهِمْ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُفْلِتَ مِنْهُمْ. أَوَّلاً سَكْرَةُ الْمَوْتِ أَلَمُهُ شَدِيدٌ وَفِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ اللِّسَانُ مُرْتَبِطٌ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، أَعْصَابُهُ كُلُّهَا مُنْحَلَّةٌ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُمْ.
أَمَّا الَّذِي تَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ إِنْ أَسَاءَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَسَاءَ، يَرْجِعُ يَقُولُ أَتُوبُ، وَيُمَيِّزُ الْكُفْرَ مِنَ الإِيْمَانِ، أَمَّا الَّذِي لا يَتَعَلَّمُ قَدْ يَظُنُّ الْحَرَامَ حَلالاً وَالْكُفْرَ إيِمَانًا فَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْفَسَادِ وَالْحَرَامِ إِلَى الْمَوْتِ فَيَمُوتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلا يَعْرِفُ أَنَّهُ كَافِرٌ إِلاَّ عِنْدَ الْمَوْتِ. لأِنَّهُمْ يُكَلِّمُونَهُ وَالنَّاسُ الَّذِينَ حَوْلَهُ لا يَسْمَعُونَ يَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى النَّارِ عَدُوَّ اللَّهِ، فَيَعْرِفُ أَنَّهُ كَافِرٌ. أَمَّا الْمُؤْمِنُ التَّقِيُّ مَهْمَا كَانَ يَتَأَلَّمُ، الْمَلائِكَةُ يُبَشِّرُونَهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ، يَفْرَحُ عَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ عَذَابٌ لا فِي الْقَبْرِ وَلا فِي الآخِرَةِ.
اللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِعَمَلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالْمَوْتِ عَلَى الإِيْمَانِ.
هَذَا وَاسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّف. عِبادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.