أَحْكَامُ الصِّيَــامِ
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ .
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة].
أَخِي الْمُؤْمِن، أَخِي الْمُصَلِّي، أَنْتَ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَيَّامٍ فَضِيلَةٍ مُبَارَكَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا أَعْمَالُ الْخَيْرِ وَلَكِنْ لا تَنْسَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ”.
أَيْ كُلُّ عَمَلٍ لا يُوَافِقُ شَرِيعَتَنَا فَهُوَ رَدٌّ أَيْ مَرْدُودٌ. وَكَيْفَ يُعْرَفُ الْمَرْدُودُ مِنَ الصَّحِيحِ الْمَقْبُولِ؟ يُعْرَفُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، يُعْرَفُ بِحُضُورِ مَجَالِسِ عِلْمِ الدِّينِ. فَالْجَاهِلُ كَالْتَائِهِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلا دَلِيلٍ لا يَدْرِي هَلْ يَقْتَرِبُ مِنْ مُبْتَغَاهُ أَمْ يَبْتَعِدُ، فَالْجَاهِلُ لا يَضْمَنُ صِحَّةَ صَلاتِهِ وَلا صِحَّةَ صِيَامِهِ وَلا صِحَّةَ حَجِّهِ. فَخُطْبَتُنَا الْيَوْمَ عُنْوَانُهَا: “كَيْفَ يَكُونُ صِيَامُكَ مَقْبُولاً عِنْدَ اللَّهِ”.
فَفَرَائِضُ الصِّيَامِ اثْنَانِ:
الأَوَّلُ: النِّيَّةُ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، يَعْنِي لَيْسَ شَرْطًا أَنْ تَتَلَفَّظَ بِهَا بِلِسَانِكَ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلا يَصِحُّ الصِّيَامُ بِدُونِهَا، فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ: نَوَيْتُ صِيَامَ يَوْمِ غَدٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا لَيْلَةَ الصِّيَامِ عَلَيْهَا أَنْ تَنْوِيَ صِيَامَ الْيَوْمِ التَّالِي مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لأِنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصِّيَامِ.
ثُمَّ بَعْدَ نِيَّةِ الصِّيَامِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَ السُّحُورِ لَكِنْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَبَعْدَ نِيَّةِ الصِّيَامِ لا يُؤَثِّرُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَنْ نَامَ لَيْلاً وَلَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ. هَذَا الرُّكْنُ الأَوَّلُ وَهُوَ النِّيَّةُ.
أَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي: الإِمْسَاكُ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعَنْ إِدْخَالِ كُلِّ مَا لَهُ حَجْمٌ وَلَوْ صَغِيرًا إِلَى الرَّأْسِ أَوِ الْبَطْنِ أَوِ الأَمْعَاءِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ كَالْفَمِ أَوِ الأَنْفِ أَوِ الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَجْزَاءً صَغِيرَةً، وَهَذَا الإِمْسَاكُ وَقْتُهُ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ.
أَمَّا مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَلَوْ كَثِيرًا لَمْ يُفْطِرْ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ”.
وَمَنْ أَدْخَلَ شَيْئًا إِلَى فَمَهِ كَإِصْبَعِهِ فَأَخْرَجَ الْقَيْءَ عَمْدًا أَفْطَرَ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَىْءٌ إِلَى الْجَوْفِ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أَيْ غَلَبَهُ) وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ” رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
كَمَا يَجِبُ تَرْكُ الْجِمَاعِ وَإِخْرَاجِ الْمَنِيِّ بِالاِسْتِمْنَاءِ بِنَحْوِ الْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّهُمَا مُفَطِّرَانِ. أَمَّا الصَّائِمُ النَّائِمُ إِذَا احْتَلَمَ فَلا يُفْطِرُ.
وَالَّذِي يُبْطِلُ الصِّيَامَ أَشْيَاءٌ مِنْهَا: الأَكْلُ وَلَوْ قَدْرُ سِمْسِمَةٍ أَوْ أَقَلُّ عَمْدًا لا نَاسِيًا، وَالشُّرْبُ وَلَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ.
وَكَذَلِكَ شُرْبُ السِّيجَارَةِ أَوِ الأَرْكِيلَةِ مُفَطِّرٌ لأِنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْهَا ذَرَّاتٌ صَغِيرَةٌ تَصِلُ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ الَّذِي يَشْرَبُهَا. أَمَّا الدُّخَانُ الَّذِي يَصِلُ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ مِنْ شَارِبِ السِّيجَارَةِ الَّذِي يُجَالِسُهُ فِي السَّيَّارَةِ مَثَلاً فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفَطِّرٌ.
وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَهَارِ الصِّيَامِ وَأَفَاقَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ إِغْمَاؤُهُ كُلَّ الْيَوْمِ لا يُفْطِرُ، أَمَّا إِذَا اسْتَغْرَقَ الإِغْمَاءُ كُلَّ الْيَوْمِ مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ لَمْ يَصِحَّ صِيَامُهُ. أَمَّا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ وَلَوْ لَحْظَةً أَفْطَرَ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عَلَيْنَا الْعَقْلَ وَالدِّينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَكَذَلِكَ إِذَا طَرَأَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ وَلَوْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ أَفْطَرَتْ.
وَكَذَلِكَ الْقَطْرَةُ فِي الأَنْفِ أَوِ الأُذُنِ مُفَطِّرَةٌ، وَالْحُقْنَةُ فِي الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ مُفَطِّرَةٌ، أَمَّا الإِبْرَةُ تَحْتَ الْجِلْدِ أَوْ فِي الْعَضَلِ فَلا تُفَطِّرُ.
وَمِنْ مُفْسِدَاتِ الصِّيَامِ الْوُقُوعُ فِي الْكُفْرِ عَامِدًا وَلَوْ مَازِحًا أَوْ غَاضِبًا بِاخْتِيَارِهِ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ أَوْ غَيْرَ ذَاكِرٍ لأِنَّهُ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِنْ كَافِرٍ لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَجَنُّبُ الْكُفْرِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلاثَةِ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ:
الْكُفْرُ الْقَوْلِيُّ: كَمَسَبَّةِ اللَّهِ أَوْ دِينِ الإِسْلامِ أَوِ الأَنْبِيَاءِ.
الْكُفْرُ الاِعْتِقَادِيُّ: كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ أَوْ ضَوْءٌ أَوْ رُوحٌ أَوْ أَنَّ لَهُ جِهَةً أَوْ مَكَانًا.
الْكُفْرُ الْفِعْلِيُّ: كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ سُجُودٍ لِصَنَمٍ. فَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الثَّلاثَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقْلِعَ عَنِ الْكُفْرِ فَوْرًا وَيَتَشَهَّدَ لِلدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه وَيُمْسِكَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ ثُمَّ يَقْضِيهِ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ فَوْرًا.
اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَيْهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِين.
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
التَّحْذِيرُ مِنْ نَظَرِيَّةِ دَارْوِين الْفَاسِدَةِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِي نَفْسِي وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ الآيَةَ. [سُورَةَ الإِسْرَاء/70] .
وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيْمٍ﴾ [سُورَةَ التِّين/4].
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ، لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الإِنْسَانَ وَكَرَّمَهُ وَجَعَلَ خِلْقَتَهُ أَحْسَنُ مِنْ خِلْقَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيْمٍ﴾ أَنَّ تَقْوِيْمَ الْبَشَرِ أَحْسَنُ مِنْ تَقْوِيْمِ الْجِنِّ وَالْمَلائِكَةِ، تَقْوِيْمُ الْبَشَرِ لَيْسَ فِيهِ أَدْنَى عَيْبٍ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّنَا نَرَى فِي هَذَا الزَّمَانِ أُنَاسًا يَتْرُكُونَ مَا جَاءَ فِي شَرْعِ اللَّهِ وَيَعْمَلُونَ بِنَظَرِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ مُخَالِفَةٍ لِدِينِ اللَّهِ حَتَّى إِنَّ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ الْبَاطِلَةَ تُعَلَّمُ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ الَّتِي تُسَمِّي نَفْسَهَا إِسْلامِيَّة وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُسَمَّى بِنَظَرِيَّةِ النُّشُوءِ وَالاِرْتِقَاءِ وَالتَّطَوُّرِ وَالَّتِي ابْتَدَعَهَا رَجُلٌ فَاسِدٌ حَرَّكَهُ الشَّيْطَانُ لِذَلِكَ وَاسْمُهُ دَاروين حَيْثُ يَقُولُ فِي هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ “إِنَّ الإِنْسَانَ أَصْلُهُ قِرْدٌ ثُمَّ تَرَقَّى حَتَّى صَارَ هَذَا الإِنْسَانُ”.
فَهَذِهِ نَظَرِيَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِدِينِ اللَّهِ، مُخَالِفَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمنِ اعْتَقَدَهَا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَصَارَ كَافِرًا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. فَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيْمٍ﴾.
وَأَوَّلُ إِنْسَانٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ سَيِّدُنَا ءَادَمُ الَّذِي كَانَ جَمِيلَ الشَّكْلِ، مَمْشُوقَ الْقَدِّ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ سَيِّدَنَا ءَادَمَ هُوَ أَوَّلُ الْبَشَرِ وَهُوَ أَصْلُ الْبَشَرِ وَكَانَ نَبِيًّا رَسُولاً وَلا يَلِيقُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ يُشْبِهُ الْقُرُودَ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَإِنَّ نَبِيَّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا”. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُلْحِدِينَ فِي الْعُصُورِ الأَخِيرَةِ إِنَّ أَوَّلَ الْبَشَرِ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْقِرْدِ تَكْذِيبٌ لِلآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ: “كَانَ طُولُ ءَادَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا”.
فَكُلُّ مَنِ اعْتَقَدَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ الْفَاسِدَةَ فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْءَانَ وَكَذَّبَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلْيُحْذَرْ أَيُّهَا الأَحِبَّة مِنْ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ وَمِنْ غَيْرِهَا، فَكَمْ مِنْ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ تُعَلَّمُ لأِوْلادِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَارِسَ لا يَهْتَمُّ أَصْحَابُهَا إِلاَّ بِجَمْعِ الْمَالِ وَلِلأَسَفِ فَإِنَّ بَعْضَ الأَهْلِ لا يُرَاقِبُونَ مَا يَتَلَقَّاهُ أَوْلادُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَدَارِسِ بَلْ نَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الأَهْلِ قَدْ أَهْمَلُوا تَعَلُّمَ عِلْمِ الدِّينِ لأِنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ سَيُرَاقِبُونَ أَوْلادَهُمْ وَمَا تَعْبَأُ قُلُوبُهُمْ بِهِ مِنْ مَفَاسِدَ وَتَكْذِيبٍ لِدِينِ اللَّهِ وَسُخْرِيَةٍ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ؟
إِخْوَةَ الإِيْمَانِ، أَوْلادُنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا، فَلا يَجُوزُ لَنَا إِهْمَالُهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا رِعَايَتُهُمْ وَتَعْلِيمُهُمْ مُنْذُ الصِّغَرِ، فَالْوَلَدُ كَالإِنَاءِ الْفَارِغِ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا تَمْلَؤُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْقُرْءَانِ الْكَرِيْمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ الآيَةَ. [سُورَةَ التَّحْرِيْم/6].
فَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نَقِي أَنْفُسَنَا وَأَهْلَنَا نَارَ جَهَنَّمَ وَذَلِكَ بِتَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِينَا ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ حِرْصٌ عَلَى أَوْلادِهِ وَخَوْفٌ عَلَيْهِمْ فَبِالأَوْلَى أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَيَكُونَ حَرِيصًا عَلَى دِينِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى دُنْيَاهُمْ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمَدَارِسِ تُعَلِّمُ أَوْلادَ الْمُسْلِمِينَ تَشْبِيهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَسْكُنُ السَّمَاءَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا الْكُفْرِ وَكَأَنَّهُمْ مَا قَرَأَوُا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ الآيَةَ. [سُورَةَ الشُّورَى/11].
وَلا سَمِعُوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلا تَضْرِبُواْ للَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ الآيَةَ. [سُورَةَ النَّحْل/74]
وَلا اطَّلَعُوا عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سُورَةَ الإِخْلاص/4].
بَلْ إِنَّ إِحْدَى الْمَدَارِسِ الَّتِي تُسَمَّى إِسْلامِيَّة كُتِبَ فِي أَحَدِ الصُّفُوفِ لِلتَّلامِيذِ عَلَى اللَّوْحِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ “اللَّهُ عَلَى الشَّجَرَةِ يُغَنِّي وَعَلَى الأَغْصَانِ يَتَثَنَّى وَفِي النَّهْرِ يَسْبَحُ”.
فَحَصِّنُوا أَوْلادَكُمْ بِتَعْلِيمِهِمْ أُمُورَ الدِّينِ وَانْظُرُوا أَيْنَ تَضَعُونَ أَوْلادَكُمْ وَاعْتَنُوا بِتَسْجِيلِهِمْ فِي الْمَدَارِسِ الَّتِي تَهْتَمُّ بِأَمْرِ الدِّينِ فَضْلاً عَنِ الاِهْتِمَامِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الأَحِبَّةُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَريِمِ فَقَالَ ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ علَى سَيّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَآ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [سُورَةَ الْحَجِّ]، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ.
عِبادَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ .