لم سُميت الصوفية صوفية
قال بعض العلماء:”إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها”.
وقال قوم: “إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد رسول الله”.
وقال آخرون: “إنما سموا صوفية للبسهم الصوف”.
وأما من نسبهم إلى الصفة والصوف فإنهم عبر عن ظاهر أحوالهم وذلك أنهم قوم قد تركوا الدنيا فخرجوا عن الأوطان وهجروا الأخدان وساحوا في البلاد وأجاعوا الأكباد وأعروا الأجساد، لم يأخذوا من الدنيا إلا ما لا يجوز تركه من ستر عورة وسد جوعة.
فلخروجهم عن الأوطان سموا غرباء ولكثرة أسفارهم سموا سياحين.
ومن سياحتهم في البراري وإيوائهم إلى الكهوف عند الضرورات سماهم بعض أهل الديار (شكفتية) والشكفت بلغتهم الغار والكهف.
وأهل الشام سموهم (جوعية) لأنهم إنما ينالون من الطعام قدر ما يقيم للضرورة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه”.
للباسهم وزيهم سموا صوفية لأنهم لم يبسوا لحظوظ النفس ما لان مسه وحسن منظره وإنما لبسوا لستر العورة وقنعوا بالخشن من الشعر والغليظ من الصوف.
وليعلم أن اسم الصوفي لم يكن في الصدر الأول لكن المعنى كان موجوداً فقد قال الحسن البصري: “كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من الشجرة ويبيت حيث أمسى”.
وقال الحسن البصري: “لقد أدركت سبعين بدرياً ما كان لباسهم إلا الصوف”.
وقال أبو موسى: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس الصوف ويركب الحمار ويأتي مدعاة الضعيف”.
وقال أبو هريرة وفضالة بن عبيد رضي الله عنهما في وصف أهل الصفة: “يخرّون من الجوع حتى تحسبهم الأعراب مجانين وكان لباسهم الصوف حتى إن كان بعضهم يعرق فيه فيوجد منه رائحة الضأن إذا أصابه المطر” وقال عيينة ابن حصن للنبي صلى الله عليه وسلم: “إنه ليؤذيني ريحُ هؤلاء أما يؤذيك ريحهم”.
وأما اسم (الصوفي) فلم يعرف إلا في المائتين من الهجرة الشريفة لأنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يسمون الرجل صحابياً لشرف صحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وكون الإشارة إليها أولى من كل إشارة، وبعد انقراض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي من أخذ منهم العلم تابعياً، ثم لما تقادم زمان الرسالة وبعد عهد النبوة وانقطع الوحي السماوي واختلفت الآراء وتنوعت الأنحاء وتفرد كل ذي رأي برأيه وكدر شرب العلوم شوب الأهوية، وتزعزعت أبنية المتقين واضطربت عزائم الزاهدبين وغلبت الجهالات وكثف حجابها وكثرت العادات وتملكت أربابها وتزخرفت الدنيا وكثر خطابها، وتفردت طائفة بأعمال صالحة وأحوال سنية وصدق في العزيمة وقوة في الدين وزهدوا في الدنيا ومحبتها واغتنموا العزلة والوحدة واتخذوا لنفوسهم زوايا يجتمعون فيها تارة وينفردون أخرى أسوة بأهل الصفة، تاركين للأسباب متبتلين إلى رب الأرباب فأثمر لهم صالح الأعمال سنيّ الأحوال وتهيأ لهم صفاء الفهوم لقبول العلوم، وصار لهم بعد اللسان لسان وبعد العرفان عرفان وبعد الإيمان إيمان كما قالحارثة بن مالك رضي الله عنه حين سأله رسول الله: “كيف أصبحت يا حارثة، فقال أصبحت مؤمناً حقاً” حيث كوشفت برتبة في الإيمان غير ما يتعاهدها فصار لهم بمقتضى ذلك علوم يعرفونها وإشارات يتعاهدونها فحرروا لنفوسهم اصطلاحات تشير إلى معان يعرفونها وتعرب عن أحوال يجدونها، فأخذ ذلك الخلف عن السلف حتى صار ذلك رسماً مستمراً وخبراً مستقراً في كل عصر وزمان فظهر هذا الاسم بينهم وتسموا به وسموا به.