الجمعة أكتوبر 18, 2024
  • كيفية التعامل حينما يخطئ الآخرون:

    فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بيننا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجلعوا يضربون بأيديهم على أفخادهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما قهرني، ولا ضربني ولا شتمني. قال: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن”.

    من الأسباب التي يكون لها وقع شديد على نفوس الناس وتسبب الانقباض والتذمر واليأس فيهم وعدم الاندفاع والتقدم تبيان أخطائهم بشكل هجومي أو لاذع أو بشكل مباشر وتضخيم غلطاتهم وعثراتهم.

    فالتزم الرفق بالناس والشفقة فإن الرفق زين والعنف شين، فاختر لنفسك الزين. ينبغي أن تكون الموعظ بالحكمة والرفق. قال صلى الله عليه وسلم ما كان الرفق في شيء إلا زانه وفي لفظ آخر: إن الله يحب الرفق في الأمر كله معنى الرفق هو العمل بالوجه الأحسن بالصبر على معاملة الناس، فالواعظ والناصح ينبغي أن يكون وعظه ونصحه برفق، أي بطريقة تقرب الذي يوجه إليه النصف مقربة للمدعو.

    وكمثال: نجار يعمل في ورشة له وله مساعد جاء يتدرب على يديه، يكلف النجار مساعده بصناعة منضدة فيقوم الأخير بإنجازها امتثالا لطلب أستاذه، وقد أنجزت المنضدة ضعيفة غير متماسكة. فيأتي النجار لمساعده ويقول له مقرعا: ما هذه المنضدة؟ إنك لا تفقه شيئاً في فن النجارة ويجدر بك أن لا تصبح نجاراً.

    إن أسلوب النجار هذا قد لا يؤدي إلى عدم إصلاح خطأ المساعد فحسب بل قد يعمل على إحداث حالة يأس فيه من التقدم في فن النجارة والاستمرار فيها، وربما ترك النجارة إلى غير رجعة إليها. بينما لو استخدم أسلوباً آخر وقال لمساعده إنني في بداية اشتغالي بالنجارة لم أكن أوفر حظا مما أنت عليه الآن، وآمل أن تحظى بمستقبل جيد في فن النجارة، فالمنضدة التي صنعتها كان حريا بك أن تجعلها أكثر قوة ومتانة وجمالاً، وإني أظن أن مستواك في حرفة النجارة سيشهد تطوراً ملموساً في المستقبل بإذن الله.

    قال بعض الصوفية:

    ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة لا شك فيها فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه، فينظر إليك بعين التعظيم، وتنظر إليه بعين الاستصغار ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص، وينبغي أن يكون تركه لذلك النقص بغير وعظك أحب إليك من تركه بوعظك.

    فالمسلم إذا فكر في المسلم أنه أحسن منه لا يضره حتى يتيقن أن فيه ما يخل بالعدالة عندئذ ينصحه حتى يصلح هذا الحال، أما ما لم ير فيه شيئاً يخل بالعدالة يعتقد أنه أحسن منه.

    وقد قال الإمام الرفاقي: حاربوا الشيطان ببعضكم بنصيحة بعضكم بخلق بعضكم بحال بعضكم، بقال بعضكم.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن مرآة أخيه، معناه ينصحه المرأة أليس تكشف ما يكون في وجه الإنسان مما لا يعجب ليزال، الرسول شبه المؤمن بالمرأة. معناه المؤمن يدل أخاه لإزالة ما فيه من الأمر القبيح، يقول له أترك هذا الفعل، لا يتركه على ما هو عليه بل يبين له.

    والنصيحة هي أن يعين الرجل أخاه على ما يرضي الله، ويبتعد عما يسخط الله.

    فمن عمل بهذا فهو من المفلحين ومن لم يعمل فهو من الخاسرين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم متفق عليه.

    وقد روي حديث: “المؤمن إن ماشيته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن شاركته نفعك، وكل شيء من أمره منفعة”.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: “وحقت محبتي للمتاحبين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في.

    أما معنى المتناصحين في أن يدل بعضهم بعضا على الخير الذي يحبه لنفسه ويحذرهم من الشر.

    وأما معنى المتواصلين في فهو أن يزور بعضهم بعضا. فمن لم يتيسر له التزاور لبعد المسافة يراسله بالكتابة ومع إرسال السلام من غير طول العهد. وأما معنى “المتباذلين في” فهو أن يتهادوا فيما بينهم، فإن الهدية تقوي المحبة.

    فينبغي التباذل ولو بشيء خفيف ولو كان كالسواك وما أشبه ذلك.

    وأهم هذا كله التناصح وهو أن يرغب لأخيه ما يرغب فيه لنفسه من الخير، وأن يبعده عما يكرهه لنفسه مما هو شر. ورد فيمن اتصف بهذا أنهم يكونون على منابر من نور يوم القيامة.

    وأما ما ورد عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة” قلنا: “لمن”؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

    فمعناه الدين يأمر بالنصيحة أي إخلاص الحق أما النصيحة لله أي بالإيمان به وبصفاته أي بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان وبصفاته التي لا تشبه صفات المخلوقين. أما النصيحة للقرآن فهو تعظيمه واعتقاده. أما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم فهو باتباعه. والنصيحة لعوام المسلمين أي إخلاص الحق لعموم المسلمين فهو بإرشاد جاهلهم ومعاونة عالمهم. هذه هي النصيحة.

    وفي رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له”.