قاعدة:
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه في كتابه [أدب المريد]: “إذا علم المريد الخطأ على الشيخ فلينبهه، فإن رجع عن خطئه فذاك الأمر، وإلا ترك قوله واتبع الشرع”، وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه: “سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع، فإن خالفوا الشرع فاتركهم واتبع الشرع”. وهذا موافق للحديث الصحيح الذي رواه الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما منكم من أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله”، وفي رواية: “إلا النبي”، حسنه الحافظ العراقي. ومعنى الحديث أن الصحابة ومن بعدهم من الأمة، كلُ فردٍ لا بد أن يكون بعض كلامه في أمور الدين خطأ إلا النبي فإنه لا يجوز على النبي الخطأ في أمور الدين، فإذا عُرِف هذا فلا يجوز أن يقال إنه لا يجوز في كلام ولي خطأ، فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه محدَّثٌ اعترف على نفسه بالخطأ في مسئلة وهي أنه قال ذات يوم: “لا تغالوا في مهور النساء فإن بلغني أن أحداً زاد في مهر امرأة على أربعمائة درهم أخذته ووضعته في بيت المال”، فقالت امرأة: “ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول: (وءاتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً)، فصعد سيدنا عمر على المنبر فقال: “أيها الناس أنتم وشأنكم في مهور نسائكم، أصابت امرأة وأخطأ عمر”.
وعلى هذا جرت عادة الفقهاء، إذا علم أحدهم الخطأ في كلام أحدهم قال: وقول فلان غلط، حتى إن إمام الحرمين يقول في بعض كتبه: “قال والدي كذا وهو خطأ” ، ووالده يقال له أبو محمد الجويني واسمه عبد الله بن يوسف، وكان إماماً جليلاً مبجلاً عظيم القدر، قال فيه بعض الناس: “لو كان بعد رسول الله نبي لكان أبا محمد”، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه [لطائف المنن والأخلاق]: “قال الإمام العلامة عمر بن محمد الإشبيلي الأشعري رضي الله عنه في كتابه المسمى بلحن العوام: “وليحذر من العمل بمواضع في كتاب الإحياء للغزالي، ومن كتاب النفخ والتسوية له وغير ذلك من كتب الفقه فإنها إما مدسوسة عليه أو وضعها أوائل أمره ثم رجع عنها كما ذكره في كتابه المنقذ من الضلال” اهـ.
وقال الشيخ تاج الدين السبكي في [طبقات الشافعية]: “إن في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ثلاثمائة حديث لا أصل لها”، فإذا عرف هذا فلا يلتفت إلى قول بعض الناس إذا بين لهم إن في كتاب الشيخ فلان كذا وكذا من الخطأ يعاند ويقول: كيف يوجد خطأ في كتاب الشيخ فلان، وهذا جهل قبيح، قائله مخالف لحديث رسول الله المذكور ءانفاً، فلأجل هذا حذفنا أشياء من كتاب (الفتح الرحماني) ومن كتاب (الصلوات الكبير) ومن كتاب (المولد) المشهور في بلادنا، والدليل المنجي من هذا الجهل تحصيل العلم علم العقيدة وعلم الأحكام، ومن قصّر في تعلم علم الدين لا بد أن يقع في مهالك، فمن كان مقصراً في علم الدين واشتغل بالأذكار والأوراد لا يسلم من المهالك، فقد وقفت على كلمة كفرية في كتاب ألفه رجل يقال له الشيخ نبراس وهي “اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وزير الله الأعظم” وهذا الرجل كنت أسمع من بعض من يعرفه تعظيماً وتبجيلاً له، حتى إنه قال لي عن الشيخ نبراس: إن رسول الله لا يحتجب عنه طرفة عين.
ومن هنا نسب بعض الناس إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه كلاماً باطلاً لا يليق بالشيخ عبد القادر، من ذلك ما في كتاب (الفيوضات الربانية) الذي ألفه رجل من أهل بغداد يذكر فيه أن الشيخ عبد القادر قال قصيدتين ويذكر في إحداهما هذا البيت:
ولو أنني ألقيت سري على لظى *** لأطفئت النيران من عظم برهاني
وهذا لا يمكن أن يقوله الشيخ عبد القادر الجيلاني لأن الأولياء متأدبون مع الله، يحفظون ألسنتهم وجوارحهم عما يخالف الشرع ويعارضه. الله تبارك وتعالى خلق نار جهنم للدوام والبقاء لا تفنى لحظة إلى أبد الآباد، وفي القصيدة الأخرى هذا البيت:
كل قطب يطوف بالبيت سبعاً *** وأنا البيت طائف بخيامي
وهذا الكلام باطل لا يقوله الشيخ عبد القادر، وفيه أيضاً كلام مكذوب عليه من جملة ما فيه من الباطل: إن الله تعالى خاطبه يا غوث الأعظم أكل الفقراء أكلي وشربهم شربي، جعله هذا المفتري الكذاب كأنه كليم الله كما أن موسى كليم الله، وكثير من المدعين محبة الرسول عليه السلام يكذبون عليه كما كذب هذا الشيخ نبراس.
وقد أخبرني عالم من علماء قبيلة عيسى أن شيخاً في ناحية أوغادين مشهور يقال له الشيخ عبدالله قطب جماعته يقولون هذا الكلام ويرددونه:
إن لشيخي تسعة وتسعين اسماً *** كسُمى ذي الجلال في استجاب الدعاء
وهؤلاء شبهوا الشيخ عبد القادر بالله تعالى وهذا ضلال مبين.
وقد كذب على الشيخ عبد القادر فيما قبل هذا الوقت بنحو سبعمائة سنة رجل يقال له علي الشطنوفي عمل كتاباً سماه (بهجة الأسرار) كذب فيه على الشيخ عبد القادر ونسب إليه كلاماً مفترى، وهو الذي أشاع هذه الجملة: “قدمي هذه على رقبة كل ولي لله” ، فحذارِ حذارِ من هؤلاء الذين يشتغلون بالأوراد والأذكار قبل أن يتعلموا علم العقيدة والأحكام.