العلامة المحدث اللغوي محمد مرتضى الزبيدي الحسيني
ترجمته:
قال القاضي ابن الحاج في “الإشراف على من بفاس من مشاهير الأشراف” من ذرية زيد الشهيد يعني ابن علي زين العابدين بن الحسين عليهم السلام، خاتمة الحفاظ بالديار المصرية الشيخ مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي” اهـ. الواسطي العراقي تأصلاً، الهندي مولدًا، الزبيدي تعلمًا وشهرة “وزبيد باليمن”، المصري وفاة، الحنفي مذهبًا، القادري إرادة، النقشبندي سلوكًا، الأشعري عقيدة، ولج في سنة ألف ومائة وخمس وأربعين للهجرة، قال الجبرتي: هكذا سمعته من لفظه ورأيته.
أصله من “بلجرام” قصبة على خمسة فراسخ من “قنوج” وراء نهر “جمج” بالهند، وبها ولد سنة ألف ومائة وخمس وأربعين للهجرة كما أرّخ إجازته لعمر بن حمودة الصفار التونسي.
كان رحمه ربعة، نحيف البدن، ذهبي اللون، متناسب الأعضاء معتدل اللحية، وقد خطه الشيب في أكثرها، مترفهًا، في ملبسه، ويعمّ مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية، ولها حبة وشراريب طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة، وبعض أطرافه ظاهر. كان لطيف الذات حسن الصفات بشوشًا بسومًا وقورًا محتشمًا مستحضرًا للنوادر والمناسبات، ذكيًا فطنًا ألمعيًا، روض فضله نضير، وماله في سعة الحفظ نظير.
مشايخه:
اشتغل على المحدث محمد فاخر بن يحيى، والدهلوي فسمع عليه الحديث وأجازه، ثم ارتحل لطلب العلم، فدخل زبيد وأقام بها مدة طويلة حتى قيل له الزبيدي وبها اشتهر، حجّ مرارًا وأخذ عن نحو من ثلاثمائة شيخ ذكرهم في معاجمه الكبير والصغير وألفية السند وشرحها، حتى قال عن نفسه في ألفيته:
وقل أن ترى كتابًا يُعتمد *** إلا ولي فيه اتصال بالسند
أو عالمًا إلا ولي إليه *** وسائطٌ توقنني عليه
ورد إلى مصر في تاسع صفر سنة ألف ومائة وسبع وستين، وسكن بخان الصاغة، وأول من أخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر، وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي، والجوهري والحنفي والبليدي والصعيدي والمدابغي، وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه. واعتنى بشأنه “اسماعيل كتخدا عزبان” وأولاه بره حتى راج أمره، واشتهر ذكره عند العام والخاص، ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة، وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات، واجتمع بأعيانه وأكابره وعلمائه، وأكرمه شيخ العرب همام، وإسماعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاد نصير وأولاد وافي وهادوه وبرّوه. كذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة.
ثناء العلماء عليه:
قال تلميذه الجبرتي في تاريخه: “لم يزل المترجم يحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون، كعلم الأنساب والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائف طرائق المستحدثين المتأخرين بالمتقدمين، وألّف كتبًا ومنظومات وأراجيز جمّة، وذكر أنه أحيا إملاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين من حفظه على طرق مختلفة. وكان إذا دعاه أحد الأعيان المصريين إلى بيوتهم، يذهب مع خواص الطلبة والمقرئ والمستملي وكاتب الأسماء، فيقرأ لهم شيئًا من الأجزاء الحديثية بحضور الجماعة وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده، وبناته ونساؤه من خلف الستائر، ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ، ويكتب الشيخ تحت ذلك “صحيح ذلك” وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمان السالف كما رأيناه في الكتب القديمة” اهـ.
وأثنى عليه تلميذه الوجيه عبد الرحمن الأهدل فقال: “إمام المسندين خاتمه الحفاظ المحدثين المعتمدين”.
وقال عنه من أعلام المغرب الحافظ ابن عبد السلام الناصري في رحلته لما ترجمه فيها: ألفيته عديم النظير في كمال الاطلاع والحفظ واللغة والأنساب، فهو والله سيوطي زمانه، انخرق له من العوائد ما انخرق لابن شاهين وابن حجر والسيوطي.
وقال عنه أبو الربيع عبد الرحمن الحَوّات في “السر الظاهر” الإمام الحافظ النسابة ملأ البسيطة بعلومه ومعارفه، أمتع الله به اهـ.
وقال عنه محدث الشام الوجيه عبد الرحمن الكزبري: “إمام المسندين وخاتمة المحدثين”.
وقال عنه عالم مصر الشمس محمد بن علي الشواني الأزهري: “شيخ الإسلام علامة الأنام ناشر لواء السنة المحمدية، وواصل الأسانيد النبوية أبو الجود وأبو الفيض” وقد ترجمه من متأخري المصريين محمد إبراهيم فني المصري في جزء صغير سماه “الجوهر المحسوس في ترجمة صاحب القاموس”.
كذلك ترجمه تلميذه الجبرتي في تاريخه لكنه ما سلم من حسده.
وكانت سُنة الإملاء قد انقطعت بموت الحافظ ابن حجر وتلاميذه كالسخاوي والسيوطي وبهما ختم الإملاء، فأحياه الزبيدي، ووصلت أماليه إلى نحو أربعمائة مجلد، كان يملي كل اثنين وخميس فقط.
صيته وشهرته:
كان لعظم شهرته يكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والمغرب والسودان وفزان والجزائر واستجازوه. وممن أخذ عنه من ملوك الأرض، خليفة الإسلام في وقته السلطان عبد الحميد الأول ووزيره الأكبر محمد باشا بالمكاتبة، وكذلك انجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك السكندراني وأبي أيوب الدفتردار فسعوا إلى منزله لحضور مجالس درسه، وواصلوه بالهدايا الجزيلة فاشترى الجواري، وعمل الأطعمة للضيوف، وأكرم الواردين والوافدين من الآفاق البعيدة، وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية إلى مصر، وسمع به، فحضر إليه، والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريري، فكان يذهب إليه بعد فراغه درس شيخون، ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية.
كتبه ومصنفاته:
أهمها: “تاج العروس في شرح القاموس”، طبع، “اتحاف السادة المتقين” وهو شرح إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، “أسانيد الكتب الستة”، طبع، “عقود الجواهر الحنفية في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة”، مجلدان، طبع، “كشف اللثام عن ءاداب الإيمان والإسلام”، “رفع الشكوى وترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب”، “معجم شيوخه”، “ألفية السند” وهو في الحديث يحتوي على 1500 بيت وشرحها، “مختصر العين” وهو مختصر كتاب العين المنسوب للخليل بن أحمد، “التكملة والصلة والذيل للقاموس”، مجلدين، “إيضاح المدارك بالافصاح عن العواتك”، “عقد الجمان في بيان شعب الإيمان” رسالة، “تحفة القماعيل في مدح شيخ العرب إسماعيل”، “تحقيق الوسائل لمعرفة المكاتبات والرسائل”، “جذوة الاقتباس في نسب بني العباس”، “حكمة الإشراف إلى كتاب الآفاق”، “الروض المعطار في نسب ءال جعفر الطيار”، “مزيل نقاب الخفاء عن كنى سادتنا بني الوفاء”، “بُلغة الغريب في مصطلح ءاثار الحبيب”، “تنبيه العارف البصير على أسرار الحزب الكبير”، “سفينة النجاة المحتوية على بضاعة مزجاة من الفوائد المنتقاة”، “غاية الابتهاج لمقتفي مسلم بن الحجاج”، “نشوة الارتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح”، “العرائس المجلوة في ذكر أولياء فوة”، “لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة”، طبع.
وفاته:
أصيب رحمه الله بالطاعون في شعبان سنة ألف ومائتين وخمس للهجرة بعد أن صلى الجمعة في مسجد الكردي القريب من داره، فدخل داره واعتُقل لسانه في تلك الليلة وتوفي يوم الأحد. فأخفت زوجته الثانية وأقاربها نبأ موته حتى نقلوا الأشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب ثم أشاعوا موته يوم الاثنين، وخرجوا بجنازته، وصلوا عليه ودفن بقبر كان قد أعده لنفسه في حياته بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيدة رقية بنت علي بن أبي طالب. ولم يعلم بموته أهل الأزهر ذلك اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون، ولم يترك ابنًا ولا بنتًا.
ذكر الحسن الحريري وكان من خاصته وممن يخدمه أنه حضر إليه في يوم السبت في موضه قبل وفاته وطلب الدخول لعيادته، فأدخلوه عليه، فوجده راقدًا معتقل اللسان، وزوجته وأصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل والخبايا والصناديق إلى الليوان، ووجد أكوامًا من الأقمشة الهندية والكشمير وأشياء في ظروف وأكياس وساعات العلب الثمينة، قال الحريري: فجلست عند رأسه وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه “يعني زوجته وأهلها” ثم أغمض عينيه رحمه الله.
اللهم اجز سيدنا مرتضى الزبيدي عنا كل خير واحشرنا معه في الفردوس الأعلى.
الدرر النادرة في أعيان الأشاعرة
جمهور الأئمة الإسلامية أشاعرة
يكفي لبيان فضل الإمام الأشعري أن على مذهبه في الاعتقاد علماء مئات الملايين من المسلمين في الشرق والغرب تدريسًا وتعليمًا، ويشهد بذلك الواقع المشاهد، ويكفي أيضًا لبيان حقية مذهبه في الاعتقاد كون هؤلاء الحفاظ الذين هم رءوس أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العلم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وُصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر أشاعرة، كان كل واحد من هؤلاء علمًا في الحديث في زمانه ثم جاء من هو على هذا المنوال الحافظ الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المكنيُّ بأبي الفضل.
فمن حقق عرف أن الأشاعرة هم فرسان ميادين العلم والحديث وفرسان ميادين الجهاد والسنان، ويكفي أن منهم أبا الحسن الباهلي، وأبا إسحاق الإسفرايني، والحافظ أبا نعيم الأصبهاني، والقاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبا محمد الجويني وابنه أبا المعالي إمام الحرمين، وأبا منصور التميمي البغدادي والحافظ الدارقطني، والحافظ الخطيب البغدادي، والأستاذ أبا القاسم القشيري وابنه أبا نصر، والشيخ أبا إسحاق الشيرازي، ونصر المقدسي، والفراوي، وأبا الوفاء بن عقيل الحنبلي، وقاضي القضاة الدامغاني الحنفي، وأبا الوليد الباجي المالكي، والإمام السيد أحمد الرفاعي، والحافظ أبا القاسم بن عساكر، وابن السمعاني، والحافظ السلفي، والقاضي عياض، والنووي، والإمام فخر الدين الرازي، والعز بن عبد السلام، وأبا عمرو بن الحاجب المالكي، وابن دقيق العيد، والإمام علاء الدين الباجي، وقاضي القضاة تقي الدين السبكي، والحافظ العلائي، والحافظ زين الدين العراقي وابنه الحافظ ولي الدين، وخاتمة اللغويين الحافظ مرتضى الزبيدي، والشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ بهاء الدين الرواس الصوفي، ومفتي مكة أحمد بن زيني دحلان، ومسند الهند ولي الله الدهلوي، ومفتي مصر الشيخ محمد عليش المالكي المشهور، وشيخ الجامع الأزهر عبد الله الشرقاوي، والشيخ المشهور أبا المحاسن القاوقجي نقطة البيكار في أسانيد المتأخرين، والشيخ حسين الجسر الطرابلسي صاحب “الرسالة” و”الحميدية”، والشيخ عبد اللطيف فتح الله مفتي بيروت، والشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت، والشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي وابنه عبد الرحمن نقيب أشراف بيرون، والشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت، والشيخ أبا محمد الويلتوري المليباري الهندي وقد ألف رسالة سماها “العقائد السنية ببيان الطريقة الأشعرية”، والقاضي الجليل ابن فرحون المالكي، والقاضي أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني، والحافظ ابن فورك، وأبا حامد الغزالي، وأبا الفتح الشهرستاني، والإمام أبا بكر الشاشي القفال، وأبا علي الدقاق النيسابوري، والحاكم النيسابوري، والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، والشيخ محمد بن منصور الهدهدي، والشيخ أبا عبد الله محمد السنوسي، والعلامة علوي بن طاهر الحضرمي الحداد صاحب التآليف الكثيرة، والعلامة المتفنن والفقيه المحقق الحبيب بن حسين بن عبد الله بلفقيه، والمفسر محمد بن علان الصديقي الشافعي وجميع السادة الحضارمة من ءال علوي، والسقاف، والجنيد، والعيدروس، وشافعي العصر رفاعي الأوان الشيخ الفقيه المحدث الأصولي عبد الله الهرري وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله.
ومنهم الوزير المشهور نظام الملك والسلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين الخير فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنابر بعد أذان الفجر وأن تُعلم المنظومة التي ألفها له ابن هبة الله المكي للأطفال في الكتاتيب. ومنهم الملك الكامل الأيوبي، والسلطان الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون بل وكل سلاكين المماليك رحمهم الله.
ومنهم السلطان محمد العثماني فاتح القسطنطينية الذي جاء فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” رواه أحمد، وكذا سائر السلاطين العثمانيين الذين ذابوا عن عقيدة المسلمين وحموا حمى الملة قرونًا متتالية رحمهم الله.
وليس مرادنا بما ذكرنا إحصاء الأشاعرة فمن يحصي نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟! ولكن ما ذكرناه بنبئ عن المراد كما بنبئ عنوان الكتاب على مضمونه.
اعتقاد الأشعري هو اعتقاد أهل السنة والجماعة
قال السبكي في الطبقات: “واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبتدع رأيًا ولم يُنشِ مذهبًا وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقًا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا” اهـ.
وقال في موضع ءاخر: “قال المآيرقي المالكي: ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا به، ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسبة إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله، وكان كثير الاتباع لهم إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عُزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وما ألفه في نصرته” اهـ.
ويقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام في عقيدته: “واعتقاد الأشعري رحمه الله مشتمل على ما دلت عليه أسماء الله التسعة والتسعون”.
ويقول الشيخ قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السبكي ما نصه: “وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة في العقائد يدٌ واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله” ثم يقول بعد ذلك: “وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة” اهـ.
ويقول أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل: “الأشعرية أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المنتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كان يقرر عين ما يقرره الأشعري أبو الحسن في مذهبه” اهـ.
وقال القاضي ابن فرحون المالكي في ترجمة الإمام الأشعري ما نصه: “صنف لأهل السنة التصانيف وأقام الحجج على إثبات السنن وما نفاه أهل البدع” ثم قال: “فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المعتزلة ومن بعدهم من الملحدة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم، وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيها أثنى عليه وأنصف، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين” اهـ.
ويقول الشيخ محمد الحوت البيروتي ما نصه: “المالكية والشافعية أشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، والحنفية ماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي وهما إماما أهل السنة والجماعة” اهـ.
ويقول الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين الحنفي في رد المحتار على الدر المختار: “أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة الماتريدية” اهـ.
ويقول أبو عبد الله الطالب بن حمدون المالكي في حاشيته على ميارة عن الأشعري: “أنه أول من تصدى لتحرير عقائد أهل السنة وتخليصها ودفع الشكوك والشبه عنها وإبطال دعوى الخصوم” اهـ.
ولقد أنصف الحبيب عبد الله بن علوي الحداد حين قال: “إن الحق مع الفرقة الموسومة بالأشعرية نسبة إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله الذي رتب قواعد عقيدة أهل الحق وحرر أدلتها، وهي العقيدة التي أجمعت عليها الصحابة ومن بعدهم من خيار التابعين وهي عقيدة أهل الحق من أهل كل زمان ومكان، وهي عقيدة جميع أهل التصوف كما حكى ذلك أبو القاسم القشيري في أول رسالته، وهي بحمد الله عقيدتنا وعقيدة إخواننا من السادة الحسينيين المعروفين بآل أبي علوي، أسلافنا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ثم أنشد:
وكُن أشعريًا في اعتقادك إنه *** هو المنهل الصافي عن الزيغ والكفر
أما اليخ الفقيه عبد الله العيدروس الأكبر فذكر في كتابه الكبريت الأحمر أن عقيدتهم عقيدة أهل السنة والجماعة فقال: “اعتقادنا اعتقاد الأشعرية، ومذهبنا مذهب الشافعية على مقتضى الكتاب والسنة” اهـ.
وإجمال اعتقاد الأشعري رحمه الله تعالى الذي هو اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدود مُقدر، ولا يشبه شيئًا ولا يُشبهه شيء {ليس كمثله شي وهو السميع البصير} [سورة الشورى/ءاية11]، قديم لا بداية لوجوده، دائم لا يطرأ عليه فناء، لا يعجزه شيء، لا تحيط به الجهات، كان قبل أن كوَّن المكان بلا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، لا يقال متى كان ولا أين كان ولا كي، لا يتقيد بالزمان ولا يتخصص بالمكان، تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات وأنه سبحانه وتعالى منزه عن الجلوس والمماسة والاستقرار، والتمكن والحلول والانتقال، لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام، حي، عليم، قادر، سميع، بصير، متكلم وكلامه قديم كسائر صفاته لأنه سبحانه مباين لجميع المخلوقات في الذات والصفات والأفعال. ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، وأنه سبحانه وتعالى خلق الخلق وأعمالهم، وقدّر أرزاقهم وءاجالهم، لا دافع لما قضى ولا مانع لما أعطى، يفعل في ملكه ما يريد لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه موصوف بكل كمال يليق به منزه عن كل نقص في حقه، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، مبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، صادق في كل ما يبلغه عن الله تعالى.
وقد ألف الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي كتابًا في الدفاع عن الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، ذكر فيه مشاهير العلماء والحفاظ الأشاعرة في عصره، وأسماه “تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري” وقد طبع، وألف الشيخ محمد بن داود البازلي المتوفى سنة تسعمائة واثنتين وخمسين للهجرة كتابًا أسماه “مناقب أبي الحسن الأشعري” وهو مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق، وكذا الشيخ عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني القاضي أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي فقد جمع رسالة في ذلك تسمى “رسالة في الذب عن الأشعري رضي الله عنه” وقد طبعت سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وعشرين للهجرة.
وقد ذبّ عنه وبرّأه مما نسب إليه المبتدعة الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته “شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة” وهي مسطّرة برمّتها في طبقات الشافعية للسبكي. وذب عنه أيضًا الحافظ البيهقي في كتابه إلى الوزير العميد وهو مذكور في الطبقات أيضًا.