الإثنين ديسمبر 23, 2024

الإمام الليث بن سعد


ترجمته:
الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ينسب إلى فهم وهم بطن من قيس عيلان أبو الحارث إمام أهل مصر في عصره ولد في شعبان سنة أربع وتسعين للهجرة وتوفي سنة مائة وخمس وسبعين للهجرة.

أصله من خراسان ومولده في قلقشنده ووفاته في القاهرة كان من الكرماء الأجواد، يعلم الأحكام مليًا، ويبذل الأموال سخيًا.

ويروى عن الشافعي أنه قال: “الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس”.

وفي رواية أخرى: “الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به” ولذلك اندثر مذهبه خصوصًا عند انتشار تلاميذ مالك والشافعي.


كرمه:
ومما يروى عن كرمه أن امرأة جاءت إلى الليث بن سعد فقالت إن لي أخًا وصف له العسل فهب لي سكرجة، فقال: يا غلام املأ سكرجتها عسلاً وأعطها زقًا من عسل فقال الغلام: إنها سألت سكرجة، قال: سألت بقدرها وأعطيناها بقدرنا وحق لي ذلك إني امرؤ ابن أصبهان.

وكان الليث يستغل مائة ألف دينار مل سنة وما وجب عليه زكاة قط لأن الحول كان لا ينقضي عنه حتى ينفقها ويتصدق بها وكان له قرية بمصر يقال لها الفرما يحمل إليه من خراجها فيجعل ذلك صررًا ويجلس على باب داره ويُعطي صُرة لهذا وصرة لهذا حتى لا يدع إلا اليسير.


زهده وورعه:
أما عن زهده فيروى الكثير قال يحيى بن بكير: رأيت الفقراء يزدحمون على باب الليث بن سعد وهو يتصدق عليهم حتى لم يبق أحد منهم، ثم مشى وأنا معه على سبعين بيتًا من الأرامل ثم انصرف فمشيت معه فبعث غلامه بدرهم فاشترى خبزًا وزيتًا ثم جئت إلى بابه فرأيت أربعين ضيفًا جاء إليه باللحوم والحلوى فسألت غلامه بالله عليك لمن الخبز والزيت فقال: يطعم ضيفانه اللحم والحلوى وما رأيته يأكل إلا خبزًا وزيتًا.


مناقبه:
وكان الإمام الليث كثير الاتصال بمجالس العلم، وكان يغشى مجالسها أينما كانت، فحدث أنه حج سنة ثلاث عشرة ومائة فسمع من ابن شهاب الزهري ومن ابن مليكه، وعطاء بن أبي رباح ونافع وعقيل وعمر بن أنس وغيرهم في تلك السنة وكفاه فخرًا أنه شيخ مشايخ البخاري ومسلم. وروى البخاري عن يونس بن عبد الأعلى عن الإمام الليث بن سعد.


وفاته:
توفي الإمام الليث رضي الله عنه سنة خمس وسبعين ومائة أي قبل وفاة الإمام مالك بأربع سنوات وقيل غير ذلك. ودفن في مصر في مقابر “الصدف” وقيل إن قبره كان “كالمصطبة” ثم بني عليه هذا المشهد. وهو مكان مبارك معروف بإجابة الدعاء.

وبالمشهد أيضًا قبر الفقيه الإمام المحدث شعيب بن الليث بن سعد، كان من أجلاء العلماء وهو معدود من المحدثين. قال ابن أبي الدنيا: حج شعيب بن الليث سنة من السنين فتصدق بمال عظيم فمر عليه رجل من العلماء فسأل عنه فقيل له: هذا العالم الكريم ابن العالم الكريم.

ولما فقد مال أبيه بعد موته رحل إلى الشم ودخل دمشق فجاءه رجل فقال: أنا عبد أبيك ومعي لأبيك تجارة بالفي دينار، وأنا الآن في الرق فخذ مال أبيك وأعتقني إن شئت وإلا فبعني، فقال: أنت حر والمال بيدك هبة مني إليك.

قال الخطابي: فلا أدري أيهما أفضل: العبد في إقراره بالمال أم السيد حين أعتقه واعطاه المال.


تاريخ الجامع:
يقع مسجده الآن في شارع الإمام الليث. يقول المقريزي: اشتهر قبره أنه كان مصطبة في ءاخر قباب الصدفيين، وكان عددها أربعمائة قبة، وقد كتب على مصطبة الإمام ما نصه “الإمام الفقيه الزاهد العالم الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث المصري مفتي أهل مصر”.

وقد جُدد هذا الضريح في عهد السلطان المملوكي برقوق ثم الأشرف قايتباي ثم أقيمت مئذنة الجامع في الطرف الغربي منه في عهد الأمير “يشبك داودار” الأشرفي.

وكذلك أجرى السلطان الغوري عدة تجديدات بالمسجد على المدخل الرئيسي مكتوب داخل دائرة: “أمر بإنشاء هذا الباب الشريف من فضل الله تعالى سيدنا ومولانا ومالك رقابنا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري عزّ نصره في مستهل رجب المفرد من سنة إحدى عشرة وتسعمائة” ويرجع تاريخ القبة والمقصورة الموجودتين الآن على ضريح الإمام إلى العمارة التي قام بها الامير “موسى جوربجي مرزا مستحفظان”، وكان الفراغ منها يوم الخميس في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة ألف ومائة وثمان وثلاثين للهجرة.


وصف الجامع:
يتكون جامع الليث بن سعد من مستطيل تتقدمه مداخل عدة، تهبط إلى المدخل عدة درجات، وقد ثبت على المدخل لوحتان مؤرختان سنة ألف ومائة وأربع وتسعين للهجرة –ألف ومائتين وواحد للهجرة مكتوب عليها:

إذا رمت المكارم من كريم *** فيمم من بنى للفضل بيتا
فذاك الليث من يحمى حماه *** ويكرم جاره حيًا وميتا

ويلي المدخل الخارجي باب ءاخر يؤدي إلى طرقة كبيرة بها عامودان رخاميان، ثم الباب الثالث الذي جدده قانصوه الغوري سنة تسعمائة وإحدى عشرة للهجرة، وقد ركب على هذا الباب مصراعان من الخشب ذي الزخارف المحفورة حفرًا عميقًا. ويؤدي الباب إلى المسجد المستطيل وينتهي بحائط القبلة حيث يوجد المحراب والمنبر.

يقع ضريح الإمام الليث بن سعد في الضلع الجنوبي للمسجد وهو عبارة عن حجرة مربعة أقيمت بواسطة قبة صغيرة محمولة على أربعة أعمدة رخامية بها قواعد، وتيجان بها زخارف عربية، وكتابات كوفية منها “بكة كاملة” و”نعمة شاملة”.

رحم الله الإمام العالم الجليل الليث بن سعد الذي وقف على قبره الإمام الشافعي وقال: لله درّك يا إمام، لقد حزت أربع خصال لم يكملهن عالم: العلم والعمل والزهد والكرم.