الجمعة أكتوبر 18, 2024

طلحة بن عُبيد الله الشهيد ذو الخير والجود

ترجمته:
هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي أمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أسلمت وأسلم طلحة قديمًا معها. وطلحة رضي الله عنه أحد العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد السابقين الأولين إلى الإسلام وأحد الستة أهل الشورى.

له عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديثان متفق عليهما وانفرد له البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة أحاديث وله في مسند بَقيّ بن مخلد ثمانية وثلاثون حديثًا.

كان ربعةً مائلاً إلى القصر مليح الوجه رحب الصدر بعيد ما بين المنكبين شعره كثير ليس بالجعد القطط ولا بالسبط المسترسل ضخم القدمين إذا التفت التفت جميعًا.

قصة إسلامه:
يروي ابن سعد في طبقاته قصة مفادها أن طلحة قال: حضرت سوق بُصرى بالشام فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم فقلت: نعم أنا فقال: هل ظهر أحمد بعد قلتُ: ومن أحمد قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو ءاخر الأنبياء ومخرجه من الحرم ومُهاجره إلى نخل وحرَّة وسباخ، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبّأ وقد تبعه ابن أبي قحافة [يعنون أبا بكر رضي الله عنه] فانطلقت إلى أبي بكر فأخبرتهُ بما قال الراهب فخرجنا معًا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت على يديه وأخبرته بخبر الراهب فسُرَّ سرورًا عظيمًا بذلك.

وقد شهد طلحة رضي الله عنه المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرًا، وذلك لأن رسول الله لما وصلته أخبار عن عير قريش بعث طلحة وسعيد بن زيد ليأتياه باخبار العير فخرجا حتى بلغا الحوراء حتى مرت بهما العير فرجعا يريدان المدينة ليخبرا رسول الله بخبرها لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد خرج قبل مجيئهما، وكانت وقعة بدر في اليوم الذي دخل فيه طلحة وسعيد المدينة فلم يشهدا الوقعة، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما فكانا كمن شهدها.

بعض مناقبه:
ورد في “سير أعلام النبلاء” للذهبي أن طلحة رضي الله عنه أتاه مال من حضرموت مقدار سبعمائة ألف درهم فبات يتململ فقال له زوجته: ما لك؟ قال: تفكَّرتُ منذ الليلة ما ظَنُّ رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ فقالت له زوجه وهي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: إذا أصبحت فادعُ بجفانٍ وقِصاع فقسّمه فقال لها: رحمك الله أنت موفّقة بنت موفق. فلما أصبح قسّمه بين المهاجرين والأنصار فبعث إلى علي رضي الله عنه منها بجفنة، فقالت له زوجه: أما كان لنا في هذا المال نصيب قال: فشأنك بما بقي فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.

وأخبار بذل طلحة بن عبيد الله وسخائه كثيرة في كتب التراجم والسير منها أن أعرابيًا جاءه يسأله فتقرّب إليه برحم فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك إن لي أرضًا قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف فاقبضها، وإن شئت بعتها من عثمان ودفعت إليك الثمن، فقال الرجل: الثمن، فأعطاه إياه.

وعن محمد بن سعد بالإسناد عن محمد بن إبراهيم التيمي أنه قال: كان طلحة لا يدعُ أحدًا من بني تيم عائلاً إلا كفاه وقضى دينه ولقد كان يرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة ءالاف ولقد قضى عن صُبيحة التيمي ثلاثين ألفًا.

وقال الزبير بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن عبيد الله قضى عن عبيد الله بن معمر وعبد الله بن عامر بن كُريز ثمانين ألف درهم.

وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ومدحه فسماه طلحة الخير وطلحة الفياض وطلحة الجود وذلك لبذله وسخائه في سبيل الله، فكثيرًا ما كان يعطي من غير مسئلة.

وعن عائشة رضي الله عنها عن ابيها الصديق رضي الله عنه أنه كلما ذُكر يوم وقعة أُحُد قال: ذلك كله يوم طلحة، كنت أول من فاء يوم أحد فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة الجراح: “عليكما صاحبكما” يريد طلحة وقد نزف فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية.

وقد ثبت أن طلحة رضي الله عنه حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقد اخرج النسائي أن رسول الله كان في ناحية في اثني عشر رجلاً منهم طلحة، فأدركهم المشركون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من للقوم” قال طلحة: أنا قال: “كما أنت” فقال رجل من الأنصار: أنا فقال: “أنت” فقاتل حتى قُتل فلم يزل كذلك حتى بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم طلحة، فعندئذٍ قاتلهم طلحة قتال الأحد عشر حتى قُطعت اصابعه، ثم رد الله المشركين.

وأخرج الحاكم والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: “أوجب طلحة”.

وفي طبقات ابن سعد بالإسناد عن عامر الشعبي أنه قال: أصيب أنف النبي صلى الله عليه وسلم ورباعيته يوم أحد، وإن طلحة بن عبيد الله وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فضربت فشلّت إصبعه.

وفي الطبقات أيضًا عن عائشة رضي وأم إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جُرح أبونا يوم أحد أربعًا وعشرين بين جراحة وقع منها في رأسه شجّة مربعة وقُطع نساه [يعني عرق النسا] وشلّت إصبعه وسائر الجراح في سائر جسده وقد غلبه الغشي ورسول الله صلى الله عليه وسلم مكسورة رباعيتاه
مشجوج في وجهه قد علاه الغشي وطلحة محتمله يرجع به القهقرى كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب.

وفاته:
كانت وفاة سيدنا طلحة رضي الله عنه يوم الجمل يوم التقى جيشا علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان وذلك في جمادى الآخرة من السنة السادسة والثلاثين للهجرة بعد أن رماه مروان بن الحكم بسهم وهو منصرف من معسكر معاوية تائبًا من قتاله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقد روى الحاكم في مستدركه أن امير المؤمنين عليًا رضي الله عنه بعث إلى طلحة أن القني فاتاه طلحة فقال له: نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه” فقال طلحة: نعم، قال: فلم تقاتلني قال: لم أذكر فانصرف طلحة تائبًا.

ويذكر صاحب المستدرك في تتمة هذه القصة عن ثور بن مجزأة أنه قال: “مررت بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل وهو صريع في ءاخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال: إني لأرى وجه رجل كأنه القمر، ممن أنت فقلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي فقال: ابسط يدك أبايعك فبسطت يدي وبايعني ففاضت نفسه فأتيت عليًا فأخبرته بقول طلحة فقال: الله أكبر الله أكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه.

رحم الله طلحة بن عبيد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم