السبت ديسمبر 21, 2024

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: نَقُولُ فِى تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ.

   الشَّرْحُ قَوْلُهُ نَقُولُ فِى تَوْحِيدِ اللَّهِ ابْتَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ خِطَابٍ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ وَإِلَيْهِ دَعَتِ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَبِهِ نَزَلَتِ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ، أَمَّا الرُّسُلُ وَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ قَامَتْ عَلَى أَيْدِيهِمُ الْمُعْجِزَاتُ الْخَارِجَةُ عَنْ وُسْعِ الْخَلائِقِ كَصَيْرُورَةِ النَّارِ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَانْقِلابِ عَصَا مُوسَى ثُعْبَانًا يَسْعَى وَتَسْخِيرِ الرِّيحِ وَالْجِنِّ وَالطَّيْرِ لِسُلَيْمَانَ وَتَسْبِيحِ الْجِبَالِ وَتَلْيِينِ الْحَدِيدِ لِدَاوُدَ وَخُرُوجِ النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ لِصَالِحٍ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِعِيسَى وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ وَكَلامِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَشَهَادَةِ الضَبِّ وَالذِّئْبِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَى فِى الْكَفِّ لِسِيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، كُلُّهُمْ دَعَوْا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سُورَةَ الأَنْبِيَاء/25].

   وَقَوْلُهُ مُعْتَقِدِينَ فِيهِ نَفْىٌ لِلنِّفَاقِ وَتَحْقِيقٌ لِلإِيـمَانِ لِأَنَّ النِّفَاقَ يَجْتَمِعُ مَعَ الِاعْتِرَافِ اللَّفْظِىِّ لَكِنْ لا يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالِاعْتِرَافِ الْقَلْبِىِّ عَلَى وَجْهِ الْجَزْمِ فَالإِيـمَانُ وَالتَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ قَالَ تَعَالَى فِيمَنْ أَقَرَّ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ ﴿قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [سُورَةَ الْمَائِدَة/41] وَفِى قَوْلِهِ «مُعْتَقِدِينَ» بَيَانُ أَنَّ الْقَوْلَ وَحْدَهُ لا يَكْفِى عِنْدَ اللَّهِ بِدُونِ اعْتِقَادٍ فَمَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَمْ يُذْعِنْ فِى نَفْسِهِ بِمَعْنَاهُمَا فَهُوَ عِنْدَنَا مُسْلِمٌ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.

   وَقَوْلُهُ «بِتَوْفِيقِ اللَّهِ» لِأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى تَوْفِيقِ اللَّهِ يَكُونُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [سُورَةَ الْعَنْكَبُوت/69] أَىْ إِلَى تَوْفِيقِنَا وَهِدَايَتِنَا.

   وَمَعْنَى الْوَاحِدِ فِى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فُسِّرَ بِأَنَّهُ الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ فِى ذَاتِهِ وَلا فِى صِفَاتِهِ وَلا فِى أَفْعَالِهِ.