بَابُ التَّعْزِيَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ
(وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» وَمَعْنَاهَا الأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ وَتَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِهِ كِبَارًا وَصِغَارًا رِجَالاً وَنِسَاءً إِلاَّ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ فَلا يُعَزِّيهَا غَيْرُ مَحَارِمِهَا.
وَوَقْتُهَا (قَبْلَ الدَّفْنِ) مِنْ حِينِ الْمَوْتِ (وَبَعْدَهُ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا وَهِيَ بَعْدَهُ أَفْضَلُ لاِشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ إِلاَّ أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيَخْتَارُ تَقْدِيْمَهَا لِيُصَبِّرَهُمْ، وَيُكْرَهُ بَعْدَ الثَّلاثَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ بَعْدَ سُكُونِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا) بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي بَيْتٍ فَيَقْصِدُهُمْ مَنْ أَرَادَ التَّعْزِيَةَ لأِنَّهُ بِدْعَةٌ. (وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا (وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ) بِالْمَدِّ – أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا (وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ. وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَلا نَقَصَ عَدَدُكَ) قَالُوا وَهَذَا لِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَهَذَّبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لأِنَّهُ دُعَاءٌ بِبَقَاءِ الْكَافِرِ وَدَوَامِ كُفْرِهِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ.
(وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَلا نِيَاحَةٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْرَاهِيمُ وَلَدُهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَاهُ تَذْرُفَانِ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمٰنِ بنُ عَوْفٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ قَالَ: «لا وَلَكِنْ نَهِيتُ عَنِ النَّوْحِ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ وَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» أَمَّا النَّدْبُ وَهُوَ تَعْدِيدُ شَمَائِلِ الْمَيِّتِ نَحْوُ وَاكَهْفَاهُ وَاجَبَلاهُ وَالنِّيَاحَةُ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ فَيَحْرُمَانِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ لأِقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يُصْلِحُوا طَعَامًا لأِهْلِ الْمَيِّتِ) يَكْفِيهِمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ بِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: «اصْنَعُوا لآِلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَوْ كُنَّ النِّسَاءُ يَنُحْنَ لَمْ يَجُزِ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ لَهُنَّ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.