الخميس نوفمبر 21, 2024

بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ

 

   (وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) بِالإِجْمَاعِ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِيًّا. وَتَسْقُطُ بِوَاحِدٍ فِي الأَصَحِّ وَقِيلَ يَجِبُ اثْنَانِ وَقِيلَ ثَلاثَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ. وَعَلَى الأَوَّلِ تَسْقُطُ بِالصَّبِيِّ لا بِالْمَرْأَةِ مَعَ وُجُودِ الرَّجُلِ فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا.

   (وَالسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ فِي جَمَاعَةٍ) وَفِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ تَكُونَ صُفُوفُهُمْ ثَلاثَةً رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ حَدِيثَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ (وَأَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالصَّلاةِ إِمَامًا (أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ) وَإِنْ عَلا (ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ) وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الأَخُ لِلأَبِ ثُمَّ ابْنُ الأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ كَذَلِكَ ثُمَّ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ (عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فِي الإِرْثِ وَيَلِيهِمْ ذَوُو الأَرْحَامِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَبُو الأُمِّ ثُمَّ الأَخُ لِلأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلأُمِّ. (فَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدَّرَجَةِ قُدِّمَ أَسَنُّهُمَا) لأِنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمَذْهَبُ فِي الرَّوْضَةِ وَقِيلَ أَفْقَهُهُمَا كَإِمَامَةِ الصَّلاةِ وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالأَسَنُّ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَدُعُاؤُهُ أَقْرَبُ إِلَى الإِجَابَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَكْبَرُ سِنًّا فِي الإِسْلامِ وَإِنْ كَانَ شَابًّا وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ إِذَا حُمِدَتْ حَالُهُ أَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ فَلا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمَا وَأَقَرَؤُهُمَا وَأَوْرَعُهُمَا (فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) قَطْعًا (وَإِنِ اجْتَمَعَ الْمُنَاسِبُ) أَيِ الْقَرِيبُ (وَالْوَالِي) الأَعْظَمُ أَوْ مَنْ دُونَهُ مِنَ الْوُلاةِ أَوْ إِمَامُ الْمَسْجِدِ (قُدِّمَ الْمُنَاسِبُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) وَهَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَالأَظْهَرُ فِي الرَّوْضَةِ لأِنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إِلَى الإِجَابَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيْمُ يُقَدَّمُ الْوَالِي كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمَالِكِ فِي إِمَامَةِ الصَّلاةِ، وَمَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ إِذَا لَمْ يَخَفِ الْفِتْنَةَ مِنَ الْوَالِي فَإِنْ خَافَ قُدِّمَ الْوَالِي قَوْلاً وَاحِدًا مُعِين وَلَوِ اجْتَمَعَ حُرٌّ بَعِبيدٌ وَعَبْدٌ قَرِيبٌ كَأَخٍ رَقِيقٍ وَعَمِّ حُرٍّ قُدِّمَ الْحُرُّ نَظَرًا لِلْحُرِيَّةِ وَقِيلَ الْعَبْدُ نَظَرًا إِلَى الْقُرْبِ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ (وَإِنِ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ قُدِّمَ إِلَى الإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ) بِالْوَرَعِ وَنَحْوِهِ وَلا يُقَدَّمُ بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ حَضَرُوا مُتَعَاقِبِينَ قُدِّمَ إِلَيْهِ الأَسْبَقُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلُ هَذَا إِذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ فَإِنِ اخْتَلَفَ فِي الصُّورَتَيْنِ قُدِّمَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخُنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ نَعَمْ إِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ رَجُلاً قُدِّمَ الصَّبِيُّ فِي الأَصَحِّ ثُمَّ إِنْ حَضَرُوا مُرَتَّبًا فَوَلِيُّ السَّابِقَةِ أَوْلَى رَجُلاً كَانَ مَيِّتُهُ أَوِ امْرَأَةً أَوْ مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.

   (وَيَقِفُ الإِمَامُ) وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ (عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَمُرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطِهَا»

   وَيَنْوِي الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ وَيَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَلا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ (وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (يَرْفَعُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنَ الأَرْبَعِ (الْيَدَيْنِ) حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (يَقْرَأُ فِي الأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ» (وَفِي الثَّانِيَةِ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً إِلاَّ بِطُهُورٍ وَالصَّلاةِ عَلَيَّ» وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ: «أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الإِمَامُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصَ الصَّلاةَ فِي التَّكْبِيرَاتِ الثَّلاثِ وَيُسَلِّمَ» قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَوْ قَرَأَ بَعْدَ غَيْرِ الأُولَى جَازَ أَوْ صَلَّى بَعْدَ غَيْرِ الثَّانِيَةِ فَلا (وَفِي الثَّالِثَةِ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ) لِلاِتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلا خِلافٍ وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ انْتَهَى.

   قَالَ فِي الْعُبَابِ وَأَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ بِالْمَأْثُورِ وَأَصَّحُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ. انْتَهَى

   (فَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ خَرَجَ مِنْ رَوْحِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ نَسَمَةُ الرِّيحِ (الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ نَسِيمِ رِيْحِهَا وَاتِّسَاعِهَا (وَمَحْبُوبُهُ) أَيْ مَا يُحِبُّهُ (وَأَحِبَّاؤُهُ) أَيْ مَنْ يُحِبُّهُ (فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاِقيهِ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعْنَى مَا هُوَ لاقِيهِ هُوَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَدْخُلانِ عَلَيْهِ وَهُمَا نَكِيرٌ وَمُنْكَرٌ. كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ لَهُ اللَّذَانِ يَأْتِيَانِ الْمُؤْمِنَ مُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ – بِالْمُعْجَمَةِ – وَسَمَّاهَا الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بنُ مُوسَى بنِ عُجَيْلٍ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِمَا بِسَعْدٍ وَسَعِيدٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كَرَامَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَيْ مِنَ الأَهْوَالِ كَالضَّغْطَةِ وَالْفِتْنَةِ) أَيْ إِنَّمَا دَعَوْنَاكَ لأِنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ أَيْ ضَيْفًا (وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ) أَيْ صَارَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ أَيْ طَامِعِينَ إِلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلقهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (وَعَذَابِهِ وَافْسَحْ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ وَسِّعْ (لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ) ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ: عَنْ جَنْبِهِ وَرِوَايَةَ الرَّبِيعِ: عَنْ جَنْبَيْهِ أَيِ ارْفَعْهَا (وَلقهِ بِرَحْمَتِكَ الأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إِلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) جَمَعَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَاسْتَحْسَنَهُ الأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً قَالَ اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ وَبِنْتُ عَبْدَيْكَ وَتُؤَنَّثُ الضَّمَائِرُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ ذَكَّرَهَا عَلَى إِرَادَةِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ.

   (وَيَقُولُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةُ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالاِبْتِلاءِ بِالْمَعَاصِي لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ «وَلا تُضِلَّنَا» زَادَ الْمُصَنِّفُ (وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ) أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ الْحَاكِمِ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ كَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ يَسْتَغْفِرُ لَهَا وَيَدْعُو» (ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ) رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ قَالَ: «السُّنَّةُ فِي الصَّلاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى بِأُمِّ الْقُرْءَانِ مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الآخِرَةِ».

   (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَاتُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْنَى الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) نَحْوُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ وَارْحَمْهُ (وَالتَّسْلِيمَةُ الأُولَى) وَالْبَاقِي سُنَّةٌ وَبَقِيَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْقِيَامُ لِلْقَادِرِ عَلَى الأَصَحِّ. وَيُسَنُّ فِيهَا التَّعَوُّذُ لِلْقِرَاءَةِ وَالتَّأْمِينُ دُونَ دُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ وَالسُّورَةِ عَلَى الأَصَحِّ (وَمَنْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَأَتَى بِمَا أَدْرَكَهُ) مِنَ التَّكْبِيرَاتِ قَارِئًا بَعْدَ الأُولَى مُصَلِّيًا بَعْدَ الثَّانِيَةِ دَاعِيًا بَعْدَ الثَّالِثَةِ عَلَى تَرْتِيبِ صَلاةِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَبَّرَ الإِمَامُ أُخْرَى عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَمَا لَوْ رَكَعَ الإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْمَسْبُوقِ وَكَذَا لَوْ كَبَّرَ وَهُوَ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الأَصَحِّ (فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ كَبَّرَ) الْمَسْبُوقُ (مَا بَقِيَ مِنَ التَّكْبِيرَاتِ مُتَوَالِيًا) أَيْ نَسَقًا بِلا أَذْكَارٍ (ثُمَّ يُسَلِّمُ) لأِنَّ الْجِنَازَةَ تُرْفَعُ بَعْدَ سَلامِ الإِمَامِ فَلَيْسَ الْوَقْتُ وَقْتَ تَطْوِيلٍ وَفِي قَوْلٍ يَأْتِي بِالأَذْكَارِ وَإِنْ رُفِعَتْ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ. (وَمَنْ فَاتَهُ جَمِيعُ الصَّلاةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا دُفِنَ يُكَبِّرُ عَلَيْهِ أَرْبَعًا» وَإِلَى مَتَى يُصَلِّي؟ فِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا (أَبَدًا) فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَى قُبُورِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدِ اتَّفَقَ الأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ (وَقِيلَ يُصَلِّى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ كَالْمُمَيِّزِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَلا يُصَلِّي مَنْ لَمْ يُولَدْ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا. وَقِيلَ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ وَقِيلَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (وَقِيلَ إِلَى شَهْرٍ وَقِيلَ مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ) فَإِنْ شَكَّ فِي الْبِلَى فَالأَصْلُ الْبَقَاءُ. (وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ كَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ لا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَمْ لا. أَمَّا الْحَاضِرُ فِي الْبَلَدِ فَلا يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ حَضَرَهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا.

   (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) بِنِيَّةِ الصَّلاةِ عَلَى جُمْلَتِهِ كَمَا صَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى رُؤُوسٍ وَصَلَّتِ الصَّحَابَةُ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ عَتَّابِ بنِ أَسَدٍ حِينَ أَلْقَاهَا طَائِرُ نَسْرٍ بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَعَرَفُوا أَنَّهَا يَدُهُ بِخَاتَمِهِ. رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ فِي الأَنْسَابِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ عُضْوًا أَوْ شَعْرًا أَوْ ظُفْرًا كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إِنَّهُ الأَقْرَبُ إِلَى كَلامِ الأَكْثَرِينَ وَلا يُصَلَّى عَلَى عُضْوٍ تُيُقِّنَ فَصْلُهُ مِنْ حَيٍّ أَوْ شُكَّ هَلْ هُوَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ مَا لَمْ يَكُنْ فِي دَارِ الإِسْلامِ تَغْلِيبًا.

   (وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِهِمْ) كَأَنْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ أَوْ أَصَابَهُ سِلاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سِلاحُهُ أَوْ تَرَدَّى فِي وَهْدَةٍ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ وُجِدَ قَتِيلاً عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ) أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ لا يَجُوزُ ذَلِكَ (بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُ الْحَرْبِ) كَالدِّرْعِ وَالْجُلُودِ وَالْفِرَاءِ وَالْخِفَافِ (وَيُدْفَنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ ثِيَابِهِ) نَدْبًا، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِثِيَابِهِمْ وَلَمْ يَغْسِلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِبْعَادِهِمْ مِنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ فَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَ ثِيَابِهِ وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ. أَمَّا مَنْ مَاتَ فِي الْحَرْبِ لا بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَأَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ أَوْ بِِجِرَاحَةٍ مِنْهُ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا لَكِنْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ.

   (وَمَنْ مَاتَ فِي حَرْبِ أَهْلِ الْبَغِي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ غُسِّلَ وَصُلِيَّ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ) لأِنَّهُ قَتْلُ مُسْلِمٍ فَأَشْبَهَ الْمَقْتُولَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ وَالثَّانِي لا كَالْمَقْتُولِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَرُدَّ بِأَنَّ الأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي قَتْلِ الْكُفَّارِ تَعْظِيمًا لأِمْرِ الْجِهَادِ وَتَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِيهِ.

   (وَيُغَسَّلُ السِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ (الَّذِي نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ) أَيْ بَلَغَ زَمَنَ نَفْخِهَا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَلَمْ يَسْتَهِلَّ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ (وَيُكَفَّنُ وَلا يُصَلَّى عَلَيْهِ) لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ بِخِلافِ مَا إِذَا اسْتَهَلَّ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَكَذَا إِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُهَا كَاخْتِلاجٍ وَتَحَرُّكٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ) أَيْ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَهُ (كُفِّنَ وَدُفِنَ) مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَلا صَلاةٍ.

   (وَإِنِ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ) كَمُسْلِمِينَ وَكُفَّارٍ بِأَنِ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ سَقْفٌ وَلَمْ يُمَيَّزُوا (صَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) عَلَى انْفِرَادِهِ بَعْدَ غَسْلِهِ (وَيَنْوِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الصَّلاةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلاةً مِنَ الْخَمْسِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ صَحَّ بَلْ هُوَ الأَفْضَلُ وَيُدْفَنُونَ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتِلاطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ كَاخْتِلاطِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفَّارٍ يُغْتَسَلُ الْجَمِيعُ لِلضَّرُورَةِ.