الثلاثاء أبريل 22, 2025

بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ – أَيْ فُرُوضِهِ – وَسُنَنِهِ

   أَيْ تَمْيِيزِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الآخَرِ الْمُجْمَلِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَفَعَلَ ذَلِكَ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لأِنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيُ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِبَادَةِ مَعْرِفَةُ أَعْمَالِهَا وَتَمْيِيزُ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا فَإِنِ اعْتَقَدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا سُنَّةً أَوْ بَعْضَهَا فَرْضًا وَبَعْضَهَا سُنَّةً وَلَمْ يَعْرِفْ تَمْيِيزَهَا لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ قَطْعًا، أَوْ جَمِيعَهَا فَرْضًا فَقِيلَ: كَذَلِكَ، لأِنَّهُ تَرَكَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَالأَصَحُّ تَصِحُّ لأِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لا يُؤَثِّرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ: هَكَذَا ذَكَرُوا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ.

   وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: الْعَامِّيُّ الَّذِي لا يُمَيِّزُ فَرَائِضَ الْعِبَادَةِ مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لا يَقْصِدَ التَّنَفُّلَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ فَإِنْ نَوَى التَّنَفُّلَ بِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ، فَإِنْ غَفَلَ عَنِ التَّفْصِيلِ فَنِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِي الاِبْتِدَاءِ كَافِيَّةٌ. هَذَا كَلامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. انْتَهَى.

   (فَرْضُ الْوُضُوءِ سِتَّةٌ: النِّيَّةُ( قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا )عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ( أَيْ أَوَّلِ مَغْسُولٍ مِنْهُ لأِنَّهُ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ، فَلَوْ عَزَبَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَضُرَّ، أَوْ نَوَى قَبْلَهُ وَعَزَبَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَكْفِ عَلَى الأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ اسْتِحْبَابُهَا أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِيُثَابَ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْوَجْهِ )وَغَسْلُ الْوَجْهِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ( لِمَا تَقَدَّمَ )وَمَسْحُ الْقَلِيلِ مِنَ الرَّأْسِ( شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ وَلَوْ بَعْضَ شَعْرَةٍ لِلأَمْرِ بِالْمَسْحِ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» فَدَلَّ عَلَى الاِكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ، وَيُسَنُّ أَنْ لا يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنَ النَّاصِيَةِ )وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ( لِمَا تَقَدَّمَ )وَالتَّرْتِيبُ) لَهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ( مِنَ الْبَدَاءَةِ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ لِلاِتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ )وَأَضَافَ( الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )إِلَيْهِ( أَيْ إِلَى الْمَذْكُورِ )فِي الْقَديِمِ التَّتَابُعَ( بِأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لا يَجِفُّ الأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْمِزَاجِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولاً )فَجَعَلَهُ سَبْعَةً( لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ» وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَأُجِيبَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ )وَسُنَنُهُ عَشْرٌ: التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ( لِمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا )وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ( بِالْمُثَلَّثَةِ «لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخِلِّلُ لِحْيَتَهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَانَتْ كَثَّةً. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ بِالأَصَابِعِ مِنْ أَسْفَلِهَا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَلَوْ أَخَذَ لَهُ مَاءً أَخَرَ كَانَ أَحْسَنَ. )وَتَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ( لِمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدُّمُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ )وَالاِبْتِدَاءُ بِالْيُمْنَى( مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ «لأِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي طُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَإِنِ ابْتَدَأَ بِالْيُسْرَى كُرِهَ، أَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ وَالأُذُنَانِ فَيُطَهَّرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ. وَيُسَنُّ الاِبْتِدَاءُ فِي الْوَجْهِ بِأَعْلاهُ وَفِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالأَصَابِعِ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَنَقَلَ الثَّانِي عَنِ النَّصِّ وَالأَكْثَرِينَ، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ صَبَّ عَلَى نَفْسِهِ وَإِلاَّ فَبِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُبْدَأُ فِي الرَّأْسِ بِمُقَدَّمِهِ (وَالطَّهَارَةُ( فِي كُلِّ عُضْوٍ مَغْسُولاً أَوْ مَمْسُوحًا )ثَلاثًا ثَلاثًا( لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ مِنَ السُّنَنِ الذِّكْرُ إِذَا فَرَغَ مَعَ مَا بَعْدَهُ.