الإثنين ديسمبر 8, 2025

عود إلى تقسيم الكفر لزيادة فائدة

   (واعلم أن الكفر ثلاثة أبواب إما تشبيه أو تكذيب أو تعطيل، أحدها التشبيه أى تشبيه الله بخلقه كمن يصفه بالحدوث أو الفناء أو الجسم أو اللون أو الشكل أو الكمية أى مقدار الحجم) فمن وقع فى التشبيه فعبد صورة ما أو خيالا تخيله يكون بذلك من الكافرين الخارجين عن ملة المسلمين وإن زعم أنه منهم لأن الذى يشبه الله بخلقه يكون مكذبا لـلا إله إلا الله معنى ولو قالها لفظا (أما ما ورد فى الحديث »إن الله جميل« فليس معناه جميل الشكل وإنما معناه جميل الصفات) أى صفاته كاملة (أو محسن) أى يحسن لعباده ويتكرم عليهم بنعمه، وتمام الحديث »إن الله جميل يحب الجمال« ومعنى »يحب الجمال« يحب نظافة الخلق والبدن والثوب وأحب إليه نظافة الخلق. و(ثانيها) أى ثانى أبواب الكفر (التكذيب أى تكذيب ما ورد فى القرءان الكريم أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه ثابت وكان مما علم من الدين بالضرورة) أى معلوما عند الجاهل والعالم من المسلمين (كاعتقاد فناء الجنة والنار) أو إحداهما (أو) اعتقاد (أن الجنة لذات غير حسية وأن النار ءالام معنوية) وهو كفر بالإجماع لأن هذا إنكار لنصوص الشرع الصريحة المتواترة المعروفة بين المسلمين العلماء والعوام. ومن الدليل على أن الجنة فيها لذات حسية ءايات منها قوله تعالى ﴿كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية﴾، ومن الدليل على أن النار فيها ءالام حسية ءايات منها قوله تعالى ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾ (أو إنكار بعث الأجساد والأرواح معا) فإن اعتقد معتقد أن الأرواح تبعث فقط دون الأجساد فإنه يكفر لتكذيبه قول الله تعالى ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾ (أو إنكار) أى أمر معلوم من الدين بالضرورة كإنكار (وجوب الصلاة أو الصيام أو الزكاة) ونقل القاضى عياض فى الشفا الإجماع على تكفير من أنكر وجوب الصلوات الخمس وعدد ركعاتها وسجداتها (أو اعتقاد تحريم الطلاق) على الإطلاق فإن فساد هذا ظاهر بين عامة المسلمين وعلمائهم (أو تحليل) شرب (الخمر) فقد أجمع على تحريمها الأئمة من عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه وانتشر هذا الحكم وشهر حتى بين من يشربها من الأمة (و)لذلك جزم العلماء بتكفير من أحل شربها مطلقا. ويكفر من أنكر (غير ذلك مما ثبت بالقطع وظهر بين المسلمين وهذا بخلاف من يعتقد بوجوب الصلاة عليه مثلا لكنه لا يصلى فإنه يكون عاصيا لا كافرا كمن يعتقد عدم وجوبها عليه) وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن مرتكب الكبيرة لا يكفر إذا لم يستحلها و(ثالثها) أى ثالث أبواب الكفر (التعطيل أى نفى وجود الله وهو أشد الكفر) على الإطلاق. وكذلك كفر الوحدة المطلقة وهو اعتقاد أن الله والعالم واحد وكفر الحلول وهو اعتقاد أن الله يحل فى غيره (وحكم من يشبه الله تعالى بخلقه التكفير قطعا) وذلك أن المشبه لا يعبد الله تعالى وإنما يعبد صورة تخيلها وتوهمها ومن عبد غير الله فلا يكون مسلما (والسبيل إلى صرف التشبيه) والمحافظة على التنزيه (اتباع هذه القاعدة القاطعة »مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك«) لأن ما يتصوره الإنسان بباله خيال ومثال والله منزه عن ذلك (وهى مجمع عليها عند أهل الحق وهى مأخوذة من قوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾) روى هذا القول الحافظ ابن عساكر الدمشقى فى تاريخ دمشق بإسناد متصل إلى ذى النون المصرى وهذا القول نقله أيضا أبو الفضل التميمى الحنبلى عن الإمام أحمد رضى الله عنه (وملاحظة ما روى عن) أبى بكر (الصديق [شعر من البسيط] العجز عن درك الإدراك إدراك والبحث عن ذاته كفر وإشراك) روى الزركشى شطره الأول فقط فى تشنيف المسامع والمعنى أن الإنسان إذا عرف الله تعالى بأنه موجود لا كالموجودات واعتقد أنه لا يمكن تصويره فى النفس واقتصر على هذا واعترف بالعجز عن إدراكه أى عن معرفة حقيقته ولم يبحث عن ذات الله للوصول إلى حقيقة الله فهذا إيمان، أما الذى لا يكتفى بذلك ويريد بزعمه أن يعرف حقيقته ويبحث عن ذاته ولا يكتفى بهذا العجز فيتصوره كالإنسان أو ككتلة نورانية أو يتصوره حجما مستقرا فوق العرش أو نحو ذلك فهذا كفر بالله تعالى (وقول بعضهم لا يعرف الله على الحقيقة إلا الله تعالى) معناه أن الله تعالى وحده عالم بذاته على الحقيقة (و)أما (معرفتنا نحن بالله تعالى) فهى (ليست على سبيل الإحاطة) إذ لا يعرف أحد من الخلق الله تعالى على الحقيقة حتى الأنبياء والأولياء لا يعرفون الله تعالى بالإحاطة (بل بمعرفة ما يجب لله تعالى) من الصفات (كوجوب) العلم والقدرة والإرادة و(القدم له وتنزيهه عما يستحيل عليه تعالى كاستحالة) العجز والحجم و(الشريك له و)معرفة (ما يجوز في حقه تعالى كخلق شىء وتركه) أى كإيجاد شىء وإعدامه فالله تعالى يجوز أن يخلق ما يشاء ويترك ما يشاء أى لا يخلقه (قال الإمام) أحمد (الرفاعى »غاية المعرفة بالله) أى أقصى ما يصل إليه العبد من المعرفة بالله (الإيقان) أى الاعتقاد الجازم الذى لا شك فيه (بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان«) فقوله بلا كيف صريح فى نفى الجسم والحيز والشكل والحركة والسكون والاتصال والانفصال والقعود إذ كل ذلك شىء غيره والله منزه عنه. فالكيف يشمل كل ما كان من صفات المخلوقين فمن أيقن بأن الله موجود بلا كيف ولا مكان فقد وصل إلى غاية ما يبلغ الإنسان من معرفة الله.