الخميس نوفمبر 21, 2024

الْبِدْعَةُ

الْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَشَرْعًا الْمُحْدَثُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ وَلا الْحَدِيثُ.

وَتَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ«، أَيْ مَرْدُودٌ.

الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الْبِدْعَةُ الْحَسَنَةُ: وَتُسَمَّى السُّنَّةَ الْحَسَنَةَ، وَهِيَ الْمُحْدَثُ الَّذِي يُوَافِقُ الْقُرْءَانَ وَالسُّنَّةَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْبِدْعَةُ السَّيِّئَةُ: وَتُسَمَّى السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ، وَهِيَ الْمُحْدَثُ الَّذِي يُخَالِفُ الْقُرْءَانَ وَالْحَدِيثَ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَفْهُومٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ« رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَمِنَ الْقِسْمِ الأَوَّلِ: الِاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ مَلِكُ إِرْبِلَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِيِّ، وَتَنْقِيطُ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ الْمُصْحَفَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّقْوَى، وَأَقَرَّ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ مُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَلَمْ يَكُنْ مُنَقَّطًا عِنْدَمَا أَمْلَى الرَّسُولُ عَلَى كَتَبَةِ الْوَحْيِ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ لَمَّا كَتَبَ الْمَصَاحِفَ الْخَمْسَةَ أَوِ السِّتَّةَ لَمْ تَكُنْ مُنَقَّطَةً، وَمُنْذُ ذَلِكَ التَّنْقِيطِ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ، فَهَلْ يُقَالُ فِي هَذَا إِنَّهُ بِدْعَةُ ضَلالَةٍ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَفْعَلْهُ؟ فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَلْيَتْرُكُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْمُنَقَّطَةَ أَوْ لِيَكْشِطُوا هَذَا التَّنْقِيطَ مِنَ الْمَصَاحِفِ حَتَّى تَعُودَ مُجَرَّدَةً كَمَا فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ فِي كِتَابِهِ الْمَصَاحِف: »أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ الْمَصَاحِفَ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ« اهـ، وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ.

وَمِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي: الْمُحْدَثَاتُ فِي الِاعْتِقَادِ كَبِدْعَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُعْتَقَدِ، وَكِتَابَةِ (ص) أَوْ (صَلْعَمْ) [وَكِتَابَةُ (صَلْعَمْ) بَعْدَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَحُ مِنْ كِتَابَةِ (ص)] بَعْدَ اسْمِ النَّبِيِّ بَدَلَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَدْ نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ فِي كُتُبِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ كِتَابَةَ الصَّادِ مُجَرَّدَةً مَكْرُوهٌ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحَرِّمُوهَا بَلْ فَعَلُوهَا.

فَمِنْ أَيْنَ لِهَؤُلاءِ الْمُتَنَطِّعِينَ الْمُشَوِّشِينَ أَنْ يَقُولُوا عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَعَنِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ جَهْرًا عَقِبَ الأَذَانِ إِنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِدَعْوَى أَنَّ الرَّسُولَ مَا فَعَلَهُ وَالصَّحَابَةَ لَمْ يَفْعَلُوهُ.

وَمِنْهُ تَحْرِيفُ اسْمِ اللَّهِ إِلَى ءَاهٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الطُّرُقِ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ.

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: »الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا مَا أُحْدِثَ مِمَّا يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ أَثَرًا فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلالَةُ، وَالثَّانِيَةُ مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ وَلا يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ«، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ »مَنَاقِبُ الشَّافِعِيِّ«.