الخميس نوفمبر 21, 2024

تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِنَا﴾

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِى﴾

 

لِيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَيْسَ رُوحًا وَلا جَسَدًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ لا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِنَا﴾ [سُورَةَ الأَنْبِيَاء/91]، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ ءَادَمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِى﴾ [سُورَةَ ص/72] فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ [سُورَةَ التَّحْرِيم/12] أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَنْفُخَ فِي مَرْيَمَ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا.

لِأَنَّ الأَرْوَاحَ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ، وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ.

وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ مِنَ الْقِسْمِ الأَوَّلِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ عِيسَى وَرُوحِ ءَادَمَ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَتَشْرِيفٍ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رُوحٌ، فَالرُّوحُ مَخْلُوقَةٌ تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْكَعْبَةِ: ﴿بَيْتِيَ﴾ [سُورَةَ الْحَجّ/26] فَهِيَ إِضَافَةُ مِلْكٍ لِلتَّشْرِيفِ لا إِضَافَةُ صِفَةٍ أَوْ مُلابَسَةٍ لِاسْتِحَالَةِ الْمُلامَسَةِ أَوِ الْمُمَاسَّةِ بَيْنَ اللَّهِ وَالْكَعْبَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿رَبُّ الْعَرْشِ﴾ [سُورَةَ الْمُؤْمِنُون/116] لَيْسَ إِلَّا لِلدِّلالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَ لِأَنَّ الْعَرْشَ لَهُ مُلابَسَةٌ لِلَّهِ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ أَوْ بِمُحَاذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ بِاتِّصَالٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مُحَاذٍ لِلْعَرْشِ بِوُجُودِ فَرَاغٍ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ إِنْ قُدِّرَ ذَلِكَ الْفَرَاغُ وَاسِعًا أَوْ قَصِيرًا كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا مَزِيَّةُ الْعَرْشِ أَنَّهُ كَعْبَةُ الْمَلائِكَةِ الْحَافِّينَ مِنْ حَوْلِهِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ شُرِّفَتْ بِطَوَافِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا. وَمِنْ خَوَاصِّ الْعَرْشِ أَنَّهُ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، لِأَنَّ مَنْ حَوْلَهُ كُلُّهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِالْمُلُوكِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الأَسِرَّةَ الْكِبَارَ لِيَجْلِسُوا عَلَيْهَا وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ.

وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ الْمُمَاسَّةَ لِاسْتِحَالَتِهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.