فصل في بيان كتب حذّر منها بعضُ من سلَف من العلماء
قلت: ومما يحذر منه كتاب “الإنسان الكامل” لعبد الكريم الجيلي فإن فيه: “لو عمم النصارى حلول الله في الخلق لكان صوابًا لكنهم أخطئوا في تخصيصه بواحد”.
وكذلك كتاب “جواهر المعاني” للشيخ يوسف النبهاني فإنه قال نقلاً عن عبد الكريم الجيلي: “ومن جواهر الشيخ عبد الكريم الجيلي قوله إن من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم الله والرحمن والقدوس” اهـ وهذا كفر صريح بل من أصرح الكفر.
وللشيخ يوسف النبهاني كتاب يقال له “سعادة الدارين” يقول فيه نقلاً عن شيخ يمني: الذي يشرب قهوة البن تستغفر له الملائكة ما دامت رائحة البن في فمه.
وكذلك فيه هذه الاستخارة يقول فيه: إذا أراد أن يعرف الشخص أن هذا العمل ينفعه يمسك السُّبحة ويقول: الله محمد علي أبو جهل فإن انتهى إلى اسم الله يقول هذه الحاجة تنجح وإن انتهى إلى اسم محمد تنجح وإن انتهى إلى اسم علي تنجح وإن انتهى إلى اسم أبي جهل لا تنجح.
ويحذر ما ذكر في كتاب “الإحياء” المنسوب للغزالي من قوله: “وفي الحديث من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال أنا عالم فهو جاهل” اهـ فالظن بالشيخ أبي حامد الغزالي أن هذا الكلام مدسوسٌ عليه لأنه لا يخفى عليه أن الشافعية لا يرون بأسًا بأن يقول الإنسان
أنا مؤمن من دون إن شاء الله، وكيف يخفى عليه جواز قول أنا مؤمن، وقد ثبت حديثًا أن الرسول عليه السلام قسّم مالاً فلم يعط رجلاً قال سَعد بن أبي وقاص قلت: يا رسول الله أعط هذا فإني أُراه مؤمنًا فقال عليه السلام أوْ مسلمًا. فلم يُحرّم النبي قول سعد إني أُراه مؤمنًا إنما فضّل أن يقول إني أُراه مسلمًا. الحديث رواه مسلم [1].
وقد يستحسن من الفقيه أن يقول أنا عالم ليؤخذ منه وليعمل بفتواه والله أخبر في القرءان عن سيدنا يوسف أنه قال: {إنّي حَفيظٌ عليمٌ} [سورة يوسف/55] وعليم أبلغُ من عالِم.
فإذا كان يجوز من الغير أن يقول عن شخص إنه مؤمن فكيف لا يجوز أن يقول الشخص عن نفسه أنا مؤمن مع كون الإيمان أمرًا قلبيًّا، وقد اشتهر عند الصوفية حديث حارثة بن مالك رضي الله عنه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي حارثة فقال له: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال: أصبحت مؤمنًا حقًّا قال: انظر ما تقول فإنّ لكل قولٍ حقيقة قال: عزفت نفسي عن الدنيا أسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي بارزًا وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها وكأني بأهل النار يتعاوون فيها فقال: الزَم فقد عرفت عبد نوَّر الله الإيمان في قلبه [2].
وهذا الحديث متداول بين الصوفية [3] وفيه أن الرسول لم ينكر على حارثة قوله: “أصبحت مؤمنًا حقًّا” فكيف يصح هذا الحديث
[1] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب إعطاء من يخاف على إيمانه.
[2] أخرجه البزار في مسنده، انظر “كشف الأستار” [1/26] للحافظ الهيثمي، والطبراني في “المعجم الكبير” [3/266] وانظر “إتحاف السادة المتقين” [2/280].
[3] قال الحافظ الفقيه تقي الدين السبكي في بعض رسائله: “وهذا الحديث يذكره الصوفية كثيرًا وهو مشهور عندهم وإن كان في سنده ضعف من جهة يوسف بن عطية، وهو شاهد لأمرين أحدهما جواز إطلاق أنا مؤمن من غير استثناء” اهـ، نقله عنه الحافظ الزبيدي في الإتحاف [2/280].
الذي في الإحياء والذي فيه ضد ما عليه الصوفية وغيرهم، هذا تكفير للمسلم بغير سبب وهذا أمر عظيم لأن فيه إخراج المسلم من الإسلام من غير سبب. وإن كان راو من رواة هذا الحديث [1] يعني حديث حارثة ضعيفًا ضعفًا خفيفًا، فإن الحديث في فضائل الأعمال يُعمل به وهذا مقرر عند المحدثين. ومعنى حديث حارثة صحيح بل قول المؤمن: “أنا مؤمن” مما عُلم من الدين جوازه بالضرورة وإنما اختلف العلماء هل يقول الشخص أنا مؤمن إن شاء الله أو يقول أنا مؤمن من غير زيادة إن شاء الله. الخلاف في هذا، أما أصله فجائز بالإجماع فكيف يخفى على الغزالي هذا الإجماع فيقولَ خلافه.
وقد ذكر العلماء أن كتاب “الإحياء” لا يعتمد عليه في الحديث لذكره في كتابه المذكور جملة من الأحاديث الموضوعة وهي نحو ثلاثمائة حديث. قاله تاج الدين السبكي وسردها في بعض مؤلفاته فلتنظر طبقات الشافعية الكبرى له [2].
وقد سبق قول الشيخ عبد الوهاب الشعراني [3]: “قال الإمام العلامة عمر بن محمد الإشبيلي الأشعري رضي الله عنه في كتابه المسمى بلحن العوام: “وليُحذر من العمل بمواضع من كتاب الإحياء للغزالي ومن كتاب النفخ والتسوية له وغير ذلك من كتب الفقه فإنها إما مدسوسة عليه أو وضعها أوائل أمره ثم رجع عنها كما ذكره في كتابه المنقذ من الضلال” اهـ.
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير [3/266-267]، والبزار في مسنده انظر كشف الأستار [1/26]، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [1/57]: “رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه” اهـ، وقال: “رواه البزار وفيه يوسف بن عطية لا يحتج به” اهـ.
[2] طبقات الشافعية [6/287-389].
[3] لطائف المنن والأخلاق [ص/394].