(57) بَيِّنْ مَعْنَى السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ سَبَبًا أَوْ عِلَّةً.
السَّبَبُ شَىْءٌ حَادِثٌ أَىْ مَخْلُوقٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حَادِثٍ كَالدَّوَاءِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلشِّفَاءِ أَمَّا الْعِلَّةُ فَهِىَ مَا يُوجَدُ الْمَعْلُولُ بِوُجُودِهَا وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا كَالإِصْبَعِ الَّذِى فِيهِ خَاتَمٌ فَإِنَّ حَرَكَةَ الإِصْبَعِ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْخَاتَمِ تَتْبَعُ حَرَكَةَ الإِصْبَعِ فَتُوجَدُ بِوُجُودِهَا وَتُعْدَمُ بِعَدَمِهَا. وَالْعِلَّةُ مِثْلُ السَّبَبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُسَبَّبُهُ فَقَدْ يَأْخُذُ الْمَرِيضُ الدَّوَاءَ وَلا يَتَعَافَى أَمَّا الْعِلَّةُ فَلا يَتَخَلَّفُ مَعْلُولُهَا فَإِذَا وُجِدَتْ وُجِدَ الْمَعْلُولُ وَإِذَا عُدِمَتْ عُدِمَ الْمَعْلُولُ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ خَالِقَةً لِمَعْلُولِهَا فَالْعِلَّةُ لا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ خَالِقَةً لِشَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ لا إِرَادَةَ لَهَا وَلا مَشِيئَةَ وَلا اخْتِيَارَ وَكَذَلِكَ الأَسْبَابُ لا تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا فَالدَّوَاءُ لا يَخْلُقُ الشِّفَاءَ وَالنَّارُ لا تَخْلُقُ الإِحْرَاقَ وَالأَكْلُ لا يَخْلُقُ الشِّبَعَ وَلا يُقَالُ سَبَبٌ أَوْ عِلَّةٌ إِلَّا لِلْمَخْلُوقِ أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلا يُسَمَّى سَبَبًا وَلا عِلَّةً. وَأَمَّا الْفَلاسِفَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا اللَّهُ مَوْجُودٌ وَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ وَسَبَبٌ لَهَا. وَتَبِعَ الْفَلاسِفَةَ فِى هَذَا الْقَوْلِ مُحَمَّد سَعِيد الْبُوطِى فَإِنَّهُ سَمَّى اللَّهَ بِالْعِلَّةِ الْكُبْرَى وَالسَّبَبِ الأَوَّلِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِى كِتَابِهِ كُبْرَى الْيَقِينِيَّاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ سَبَبًا أوَ عِلَّةً كُفْرٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ رُكْنُ الإِسْلامِ عَلِىٌّ السُّغْدِىُّ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ سَمَّى اللَّهَ عِلَّةً أَوْ سَبَبًا كَفَرَ، نَقَلَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ مُحَمَّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَقَالَ النَّسَفِىُّ فِى تَفْسِيرِهِ وَمِنَ الإِلْحَادِ (أَىِ الْكُفْرِ) تَسْمِيَّةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ.