(20) مَا هُوَ دَلِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِى الرَّدِّ عَلَى الْوَهَّابِيَّةِ الَّذِينَ يَصِفُونَ اللَّهَ بِالْجِسْمِ وَالأَعْضَاءِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَمَعْنَى الأَحَدِ الَّذِى لا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ مَا لَهُ حَجْمٌ إِنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَقَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ سَيَرْجِعُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا يُنْكِرُونَ خَالِقَهُمْ فَيَصِفُونَهُ بِالْجِسْمِ وَالأَعْضَاءِ رَوَاهُ ابْنُ الْمُعَلِّمِ الْقُرَشَىُّ فِى كِتَابِهِ نَجْمُ الْمُهْتَدِى وَرَجْمُ الْمُعْتَدِى. أَمَّا الْوَهَّابِيَّةُ الْمُشَبِّهَةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا اللَّهَ جِسْمًا لَهُ أَعْضَاءٌ فَنَسَبُوا إِلَيْهِ الْقَدَمَ وَالرِّجْلَ عَلَى مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَالْعُضْوِ وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَهُ قَدَمٌ بِمَعْنَى الْعُضْوِ وَيَضَعُهَا فِى جَهَنَّمَ فَلا تَحْتَرِقُ كَمَا أَنَّ مَلائِكَةَ الْعَذَابِ فِى النَّارِ لا يَتَأَذَوْنَ بِهَا وَقَالَ ابْنُ الْعُثَيْمِين فِى تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ الْكُرْسِىِّ مَا نَصُّهُ وَالْكُرْسِىُّ هُوَ مَوْضِعُ قَدَمَىِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْقَدَمَ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ يُقَالُ لِمَا يُقَدَّمُ إِلَى الشَّىْءِ وَأَمَّا الرِّجْلُ فَتَأْتِى بِمَعْنَى الْفَوْجِ فَيُقَالُ فِى اللُّغَةِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَىْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ فَالْقَدَمُ الْوَارِدُ فِى حَدِيثِ الْبُخَارِىِّ لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَط مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُهُمُ اللَّهُ لِلنَّارِ فَتَمْتَلِئُ بِهِمْ، وَمَعْنَى قَطٍ قَط اكْتَفَيْتُ اكْتَفَيْت. وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِى الْبُخَارِىِّ أَنَّ النَّارَ لا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَط فَالْمُرَادُ بِالرِّجْلِ هُنَا الْفَوْجُ الَّذِى يَمْلَأُ اللَّهُ بِهِمُ النَّارَ. وَلا يَجُوزُ جَعْلُ الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ بَلِ الإِضَافَةُ فِيهِمَا إِضَافَةُ مِلْكٍ. فَمَنْ جَعَلَ لِلَّهِ قَدَمًا وَرِجْلًا بِمَعْنَى الْجُزْءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ مِثْلَ خَلْقِهِ وَكَذَّبَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الأَصْنَامِ ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ ءَالَهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ فَهَذِهِ الأَصْنَامُ تُرْمَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى جَهَنَّمَ إِهَانَةً لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. فَقَدْ أَفْهَمَنَا اللَّهُ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ يَرِدُ النَّارَ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَيْسَ بِإِلَهٍ. وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْفَمِ أَوِ الأُذُنِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الأَجْسَامِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا إِذْ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الأَجْسَامِ كَالْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَلَصَحَّتِ الأُلُوهِيَّةُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَجْسَامِ.