(19) كَيْفَ يُرَدُّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ الْوَهَّابِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ تَأْوِيلَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الْمُتَشَابِهَةِ تَعْطِيلٌ.
اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ﴿تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوب﴾. ﴿تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى﴾ أَىْ مَا فِى سِرِّى، ﴿وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ﴾ أَىْ مَا فِى سِرِّكَ وَلا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا فِى سِرِّ اللَّهِ أَىْ مَا أَخْفَاهُ اللَّهُ عَنْ عِبَادِهِ فَلا يَعْلَمُ كُلَّ الْخَفِيَّاتِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَهَؤُلاءِ الْوَهَّابِيَّةُ الْمُشَبِّهَةُ يَمْنَعُونَ التَّأْوِيلَ وَيَحْمِلُونَ الآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْت﴾ فَيَكُونُونَ بِهَذَا جَوَّزُوا عَلَى اللَّهِ الْمَوْتَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ. وَهُمْ أَيْضًا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَهُ عَيْنٌ حَقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ لا يُؤَوِّلُونَ الآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةَ بَلْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا فَمَاذَا يَقُولُونَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا﴾. هَؤُلاءِ جَعَلُوا تِلْكَ السَّفِينَةَ بِمَا فِيهَا مِنْ بَشَرٍ وَبَهَائِمَ وَبَقَرٍ وَحَمِيرٍ فِى ذَاتِ اللَّهِ، حَاشَى لِلَّهِ ﴿تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا﴾ أَىْ بِحِفْظِنَا لَهَا وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا عَيْنٌ حَقِيقِيَّةٌ. كَانَ فِى الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ رَجُلٌ مِنْ رُؤُوسِ الْمُشَبِّهَةِ الْقُدَمَاءِ يُقَالُ لَهُ بَيَانُ بنُ سَمْعَانَ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا بِمَعْنَى الْجُزْءِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْبَدَنِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْنَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا وَجْهُهُ. وَالْوَهَّابِيَّةُ كَذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لَهُ وَجْهٌ بِمَعْنَى الْجُزْءِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا يَفْنَى لَكِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ التَّأْوِيلَ وَيَحْمِلُونَ الآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَمَاذَا يَقُولُونَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْقَصَصِ ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ فَهَلْ يَقُولُونَ إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ وَهُوَ الْعَالَمُ يَفْنَى وَلا يَبْقَى مِنْهُ شَىْءٌ وَإِنَّ اللَّهَ يَفْنَى وَلا يَبْقَى مِنْهُ إِلَّا الْوَجْهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. هَذَا ابْنُ بَازٍ أَحَدُ زُعَمَاءِ الْوَهَّابِيَّةِ وَكَانَ أَعْمَى قَالَ لَهُ شَخْصٌ أَنْتُمْ تَمْنَعُونَ التَّأْوِيلَ وَتَقُولُونَ إِنَّ التَّأْوِيلَ لِلآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الْمُتَشَابِهَةِ تَعْطِيلٌ أَىْ إِنْكَارٌ لَهَا فَلا يَجُوزُ فَمَا تَقُولُ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ فَقَالَ ابْنُ بَازٍ إِلَّا هَذِهِ الآيَة فَإِنَّهَا تُؤَوَّلُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى سَخَافَةِ الْعَقِيدَةِ الْوَهَّابِيَّةِ.