السبت أكتوبر 19, 2024

(233) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

        فَسَّرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ بِالْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْ عِبَادِهِ مِنَ الْبَلاءِ وَالْحِرْمَانِ وَالْمَوْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ أَوْ إِنْ لَمْ يَصِلْ رَحِمَهُ وَأَنَّهُ إِنْ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطَاعَهُ فِى صِلَةِ الرَّحِمِ وَغَيْرِهَا لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاءُ وَرَزَقَهُ كَثِيرًا أَوْ عَمَّرَهُ طَوِيلًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَحْوَ وَالإِثْبَاتَ يَكُونُ فِى تَقْدِيرِ اللَّهِ الَّذِى هُوَ صِفَتُهُ. وَكَتَبَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ أَىْ فِى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الأَمْرَيْنِ فَالْمَحْوُ وَالإِثْبَاتُ الْمَذْكُورُ فِى هَذِهِ الآيَةِ رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ أَىْ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِى كُتِبَ فِيهِ الْقَضَاءُ الْمُعَلَّقُ كَأَنْ كَتَبَ الْمَلائِكَةُ فِى صُحُفِهِمْ مَثَلًا فُلانٌ إِنْ وَصَلَ رَحِمَهُ يَعِيشُ إِلَى الْمِائَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ رَحِمَهُ يَعِيشُ إِلَى السِّتِّين أَمَّا أَىُّ الأَمْرَيْنِ سَيَحْصُلُ هُمْ لا يَعْرِفُونَ فِى الِابْتِدَاءِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يُطْلِعْهُ اللَّهُ مِنْهُمْ عَلَى الأَمْرَيْنِ. أَمَّا الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ فَسَّرَهُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَىْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ فَلا يَنْسَخُهُ قَالَ الْبَيْهَقِىُّ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِى تَأْوِيلِ (أَىْ تَفْسِيرِ) هَذِهِ الآيَةِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ اللَّهِ لا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَاجَه لا يَرُدُّ الْقَدَرَ شَىْءٌ إِلَّا الدُّعَاءُ، فَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْقَدَرِ الْمُعَلَّقِ.