السبت أكتوبر 19, 2024

(191) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى الْكَعْبَةِ ﴿بَيْتِىَ﴾.

        قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِى الْكَعْبَةِ ﴿بَيْتِىَ﴾ أَىْ أَنَّهَا بَيْتٌ مُشَرَّفٌ أَىْ مُعَظَّمٌ عِنْدَ اللَّهِ فَالإِضَافَةُ هُنَا إِضَافَةُ مِلْكٍ لِلتَّشْرِيفِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَسْكُنُهَا لِاسْتِحَالَةِ الْمُلامَسَةِ أَوِ الْمُمَاسَّةِ بَيْنَ اللَّهِ وَالْكَعْبَةِ فَإِضَافَةُ الْبَيْتِ إِلَى اللَّهِ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿رَبُّ الْعَرْشِ﴾ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْعَرْشِ الَّذِى هُوَ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ أَوْ أَنَّهُ مُحَاذٍ لِلْعَرْشِ بِوُجُودِ فَرَاغٍ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِى حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ أَىْ لَيْسَ جِسْمًا وَإِنَّمَا مَزِيَّةُ الْعَرْشِ أَنَّهُ كَعْبَةُ الْمَلائِكَةِ الْحَافِّينَ مِنْ حَوْلِهِ شُرِّفَ بِطَوَافِ الْمَلائِكَةِ بِهِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ شُرِّفَتْ بِطَوَافِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا. وَمِنْ خَوَاصِّ الْعَرْشِ أَنَّهُ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِأَنَّ مَنْ حَوْلَهُ مَلائِكَةٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ. وَأَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِالْمُلُوكِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الأَسِرَّةَ الْكِبَارَ لِيَجْلِسُوا عَلَيْهَا وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْجُلُوسِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا لَهُ حَجْمٌ وَكُلُّ مَا لَهُ حَجْمٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ جَعَلَهُ عَلَى هَذَا الْحَجْمِ وَالْمُحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ لا يَكُونُ إِلَهًا.