الجمعة أكتوبر 18, 2024

(171) تَكَلَّمْ عَنْ صِفَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِثِ.

        اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى الْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ أَىْ عَدَمُ مُشَابَهَتِهِ لِلْمَخْلُوقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ فَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ نَفْسِهِ مُشَابَهَةَ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ بِجَوْهَرٍ يَشْغَلُ حَيِّزًا وَلا عَرَضٍ أَىْ لَيْسَ حَجْمًا يَمْلَأُ فَرَاغًا وَلا صِفَةً لِلْحَجْمِ. أَمَّا الدَّلِيلُ الْعَقْلِىُّ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ لِلْحَوَادِثِ أَىِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا لَهَا وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ. قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ أَنَّى يُشْبِهُ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ، أَىْ لا يُشْبِهُ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ وَيَشْمَلُ نَفْىُ مُشَابَهَةِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ تَنْزِيهَهُ تَعَالَى عَنِ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِيَّةُ هِىَ مِقْدَارُ الْحَجْمِ وَالْكَيْفِيَّةُ هِىَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِىُّ فِى مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إِنَّ الَّذِى يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَهُ أَنَّ رَبَّنَا لَيْسَ بِذِى صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ (أَىْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ) فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِى الْكَيْفِيَّةَ (أَىْ مَنْ كَانَ حَجْمًا مُرَكَّبًا مِنْ أَجْزَاءٍ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الأَحْجَامِ مِنَ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَنَحْوِهَا) وَهِىَ (أَىِ الْكَيْفِيَّةُ) عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ (أَىْ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الِاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَصِفَاتُهُ لَيْسَتْ حَادِثَةً).