الجمعة أكتوبر 18, 2024

(158) تَكَلَّمْ عَنْ صِفَةِ الإِرَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

        اعْلَمْ أَنَّ الإِرَادَةَ وَهِىَ الْمَشِيئَةُ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَىْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يَكُونَ مُتَّصِفًا بِهَا وَهِىَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ يُخَصِّصُ اللَّهُ بِهَا الْجَائِزَ الْعَقْلِىَّ بِالْوُجُودِ بَدَلَ الْعَدَمِ وَبِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ وَبِوَقْتٍ دُونَ ءَاخَرَ. وَالإِرَادَةُ شَامِلَةٌ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ الْخَيْرِ مِنْهَا وَالشَّرِّ فَكُلُّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَعَ وَحَصَلَ وَلَوْلا تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَسَنَاتِ بِالْوُجُودِ مَا وُجِدَتْ وَكَذَلِكَ الْكُفْرِيَّاتُ وَالْمَعَاصِى لَوْلا تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِالْوُجُودِ مَا وُجِدَتْ قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ﴾ فَلَوْ كَانَ يَقَعُ فِى مِلْكِهِ مَا لا يَشَاءُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْعَجْزِ وَالْعَجْزُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ فَكُلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَكِنَّ الْخَيْرَ يَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَالشَّرُّ يَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لا بِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ. وَلا يُقَاسُ الْخَالِقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ فَفِعْلُ الْعَبْدِ لِلشَّرِّ قَبِيحٌ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَنْهِىٌ عَنْ فِعْلِهِ أَمَّا خَلْقُ اللَّهِ لِلشَّرِّ فَلَيْسَ قَبِيحًا مِنَ اللَّهِ وَكَذَلِكَ إِرَادَةُ اللَّهِ لِوُجُودِ الْقَبِيحِ لَيْسَ قَبِيحًا مِنَ اللَّهِ إِنَّمَا الْقَبِيحُ فِعْلُهُ وَإِرَادَتُهُ مِنَ الْعِبَادِ. فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الآمِرُ النَّاهِى الَّذِى لا ءَامِرَ لَهُ وَلا نَاهٍ وَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَالِكُ كُلِّ شَىْءٍ وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِمَا يَمْلِكُ كَمَا يَشَاءُ وَلا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فى سُورَةِ التَّكْوِيرِ ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْعَقْلِىُّ عَلَى وُجُوبِ الإرَادَةِ لِلَّهِ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا أَىْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالإِرَادَةِ لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لِأَنَّ الْعَالَمَ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فَوُجُودُهُ لَيْسَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ عَقْلًا أَىْ أَنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ لَيْسَ ذَاتِيًّا بَلْ بِإِيجَادِ اللَّهِ لَهُ.