الجمعة أكتوبر 18, 2024

(155) مَا الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ اللَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُ الْكَلامِ فِى غَيْرِهِ.

        الْمُعْتَزِلَةُ نَفَوُا الْكَلامَ عَنِ اللَّهِ فَجَعَلُوهُ أَبْكَمَ وَقَالُوا إِنَّ الْحَرْفَ وَالصَّوْتَ حَادِثَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ لَكَانَ حَادِثًا أَىْ مَخْلُوقًا لِذَلِكَ قَالُوا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ إِنَّهُ مَجَازٌ أَىْ خَلَقَ اللَّهُ الْكَلامَ فِى الشَّجَرَةِ الَّتِى كَانَ مُوسَى عِنْدَهَا فَسَمِعَ مُوسَى كَلامَ اللَّهِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ مَا أَكَّدَ اللَّهُ الْفِعْلَ بِالْمَصْدَرِ وَفِى ذَلِكَ نَفْىٌ لِلْمَجَازِ. وَالْمَجَازُ هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِى غَيْرِ مَعْنَاهُ الأَصْلِىِّ قَالَ أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِىُّ فِى الْبَحْرِ الْمُحِيطِ ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ هَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ شَرَّفَ مُوسَى بِكَلامِهِ وَأُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ دِلالَةً عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لا عَلَى مَجَازِهِ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ الأَزَلِىَّ الَّذِى لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا كَمَا يَرَى الْمُؤْمِنُونَ ذَاتَ اللَّهِ فِى الآخِرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا فَرْدًا أَوْ مُرَكَّبًا وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَرَضًا أَىْ صِفَةً لِلْجَوْهَرِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لا يُحِيلُ سَمَاعَ مَا لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ وَإِنْ كُنَّا لا نَسْتَطِيعُ تَصَوُّرَهُ. وَالْجَوْهَرُ الْفَرْدُ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِى لا يَتَجَزَّأُ مِنْ تَنَاهِيهِ فِى الْقِلَّةِ أَمَّا الْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ فَهُوَ الْجِسْمُ.