الجمعة أكتوبر 18, 2024

(29) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾.

      اعْلَمْ أَنَّ الإِسْلامَ هُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ أَىْ أَحَبَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا يَشَاءُ بَلِ الآيَةُ فِيهَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ الأَوَّلُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ حُكْمًا لا تِلاوَةً أَىْ تُتْلَى عَلَى أَنَّهَا ءَايَةٌ مِنَ الْقُرْءَانِ لَكِنْ نُسِخَ حُكْمُهَا وَهُوَ النَّهْىُ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِآيَاتِ الْقِتَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ أَىْ قَاتِلُوا الْكُفَّارَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِى دِينِ الإِسْلامِ وَلا يَفْتِنُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ فَيَكُونُوا سَبَبًا فِى إِخْرَاجِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الدِّينِ وَالثَّانِى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِى أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُكْرِهَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ الْتَزَمُوا دَفْعَ الْجِزْيَةِ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الإِسْلامِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ مَعْنَى ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ أَىْ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِىَ قُلُوبَهُمْ فَيُؤْمِنُوا إِنَّمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ ظَوَاهِرَهُمْ أَىْ أَنْ تُجْبِرَهُمْ بِقُوَّةِ السِّلاحِ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْكَافِرُونَ ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ أَىْ لَكُمْ دِينُكُمُ الْبَاطِلُ فَاتْرُكُوهُ وَلِىَ دِينِى الصَّحِيحُ وَهُوَ الإِسْلامُ فَاتَّبِعُوهُ وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ وَسِيَاقُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ الآيَةَ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ.