الإثنين ديسمبر 8, 2025

كلام الله تعالى (1)

 

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

     أما بعد فلما تقرر أن الله تبارك وتعالى لا يشبه غيره بوجه من الوجوه بالدليل القرءانى والدليل العقلى فهمنا من الدليلين أن الله تبارك وتعالى متكلم بكلام ليس حادثا ككلام الخلق وليس شيئا يتخلله انقطاع بل لا يتخلله انقطاع وليس شيئا يتجدد من وقت إلى وقت كما أن حياته أزلية أبدية لا يتخللها انقطاع وتغير كذلك كلامه لا يتخلله انقطاع فهو إذن ليس حرفا وصوتا ليس لغة لا لغة عربية ولا غيرها لأن اللغات حادثة لم تكن موجودة ثم أوجدها الله خلقها الله.

     والدليل على هذا الكلام الذى ينزه الله تعالى عن أن يكون كلامه حرفا وصوتا من القرءان هذه الآية فى سورة الشورى ﴿ليس كمثله شىء﴾ ومن العقل أنه لو كان كلامه حادثا يوجد شيئا فشيئا يسبق بعضه بعضا لكان ككلام غيره ولو كان يجوز عليه أن يكون كلامه حروفا وأصواتا يدخله انقطاع لجاز على الله كل صفات المخلوقين من عجز وضعف وموت وطروء زيادة ونقصان فبهذين الدليلين علمنا أن الله تبارك وتعالى متكلم بكلام ليس بحرف وصوت لا يمكن أن نتصوره ونتخيله فى عقولنا كما أننا لا نستطيع أن نتصور ذات الله أى حقيقته فوجب علينا أن نؤمن بأن الله متكلم بكلام لا يشبه كلامنا.

     ومن الدليل القرءانى على أن الله تبارك وتعالى ليس متكلما بحروف وأصوات ما ورد فى القرءان من أن الله تعالى أسرع الحاسبين أى أنه يحاسب الخلق يوم القيامة فى ساعة أى وقت قصير.

     فى القرءان الكريم فى سورة الأنعام ﴿وهو أسرع الحاسبين﴾ وهذا ينافى أن يكون كلامه حرفا وصوتا لأنه لو كان كلامه حرفا وصوتا يحاسب به الخلق يوم القيامة لكان الله تعالى أبطأ الحاسبين ليس أسرع الحاسبين كما ورد فى الحديث الصحيح ما من أحد منكم إلا سيكلمه ربه يوم القيامة بلا ترجمان ولا حاجب اهـ [رواه البخارى] وبذلك الكلام الذى ليس حرفا ولا صوتا وليس حادثا يبدأ ويختم يحاسبهم فيفهمون عن أى شىء يسألهم فعلى هذا يجب تفسير ءاية ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ هذه الآية فى سورة يس معناها الله تبارك وتعالى يوجد الشىء الذى شاء وجوده بلا مشقة ولا تعب. لا يلحق الله تعب ولا مشقة ولا يتأخر ما شاء أن يوجد عن الوقت الذى شاء وجوده فيه. هذا معنى الآية ليس معناها أن الله بعدد مخلوقاته يقول عند كل مخلوق يخلقه كن كن كن وإنما عبر القرءان بهذه العبارة أى أن يقول له كن فيكون لأن كلمة كن بالنسبة للإنسان أسهل شىء، الإنسان يلفظ بهذه الكلمة بلا تعب حرفان كاف ونون سهل على الإنسان أى كما أن هذه العبارة سهلة على لسان الخلق فالله تعالى سهل عليه خلق كل شىء، هذه المخلوقات كلها خلقها بلا مشقة ولا تعب. ثم فى كل لحظة الله تعالى يخلق ما لا يدخل تحت حساب. كل لحظة كل يوم يميت خلقا كثيرا ويحيى خلقا كثيرا ويمرض خلقا كثيرا ويصح خلقا كثيرا وكل يوم ينزل المطر إلى أرض، ما من يوم من أيام السنة إلا ويكون المطر نازلا إلى أرض بمشيئته الأزلية وقدرته الأزلية وعلمه الأزلى يخلق هذا العالم كله. الآية القرءانية هكذا ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾ وهذا معناه، ليس معناها كما يزعم الوهابية وبعض الجهال أن الله ينطق ويلفظ بكلمة كن بكاف ونون بعدد مخلوقاته. والحاصل أن الله تبارك وتعالى ذاته أزلى أبدى وكذلك حياته أزلية أبدية لا يتخللها انقطاع وكذلك كلامه وسمعه وبصره أى سمعه للأصوات ورؤيته للمبصرات ليس حادثا يتخلله انقطاع أو زيادة ونقصان. 

     أهم أمور الدين صحة العقيدة فمن صحت عقيدته إذا مات ثابتا عليها متجنبا للكفر القولى والفعلى والاعتقادى لا بد أن يدخل جنة الله ولو كانت عليه ذنوب مثل الجبال أما من لم تصح عقيدته فلا تقبل منه أعماله من صلاة وصيام وحج وزكاة وقراءة قرءان وذكر كل ذلك لا يقبل منه. قال العلماء لا تقبل العبادة إلا بعد معرفة المعبود [قاله الغزالى وغيره].

     ثم من عقائد أهل السنة أن الله تعالى يغفر الذنوب للمسلم إن شاء ولو مات بلا توبة، لو مات وهو منغمر فى المعاصى بلا توبة فمن حكم بغير الشرع من أجل رشوة أو قرابة أو صداقة لا نقول فيه كافر لا نقول كما يقول حزب الإخوان، عندهم إذا حكم  الحاكم رئيس البلاد بغير القرءان ولو فى مسئلة واحدة كفر الرئيس والرعية كلها كفرت إلا من قام ثائرا عليه. هذا باطل. إنما يكفر من قال يجوز الحكم بخلاف الشرع أما من لا يحل ذلك لكن يحكم بغير الشرع لا يكفر إنما هو يكون عاصيا. هؤلاء حزب الإخوان الذين يعتبرون المسلمين كفارا لأنهم يعيشون تحت حاكم يحكم بغير حكم الله هؤلاء ظهروا فى مصر منذ ستين سنة [أى من زمن إلقاء هذا الدرس] وقبلهم قبل ألف سنة ظهرت فرقة تقول كما يقول هؤلاء إن الملك إذا حكم بغير حكم الشرع كفر وإن الرعية كفروا ثم انقرضت هذه الفرقة ثم جاء سيد قطب منذ نحو ستين سنة فعمل هذا الدين. الآن له أتباع هنا [أى فى الجمهورية اللبنانية] وفى كل أوروبا وفى أمريكا وفى البلاد العربية لهم وجود منهم هؤلاء الذين كانوا فى الجزائر يقتلون الأطفال والنساء والرجال الكبار نحن نكفرهم لأنهم يعتقدون أن قتل غيرهم جائز ما فيه معصية [أى يعتقدون جواز قتل كل من سواهم من البشر البالغين اعتمادا على تكفيرهم لهم لأنهم يعيشون تحت حاكم يحكم بغير الشرع] بل يعتبرونه ثوابا يعتبرون قتل غيرهم ثوابا لا يعتبرونه حراما أما لو كانوا يعتبرونه حراما لما كفروا. المسلم إذا قتل مسلما ظلما لا يكفر إنما إذا استحل قتل المسلم بغير حق فيكفر عند ذلك أما إذا قتل المسلم ظلما فيكون ارتكب أعظم ذنب بعد الكفر ولا يكفر بذلك.

     ثم من أهم مسائل العقيدة أى من أهم مسائل التوحيد بعد معرفة الله ورسوله اعتقاد أنه لا يخلق أحد شيئا إلا الله. الله تعالى هو خالق حركات العباد ونطقهم ونظرهم وحركاتهم وسكناتهم كل هذا الله هو يخلقه ليس العباد يخلقون، العباد يفعلون يقال يفعلون لا يقال يخلقون. الله يخلق والعبد يفعل. من مشى عمدا إلى مكان أو تكلم عمدا أو مد يده إلى شىء عمدا فالله هو الذى خلق هذه الحركات ليس العبد يخلقها. هذا القدر هو أهم مسائل العقيدة.

 

الدرس الثانى والستون