الإثنين ديسمبر 8, 2025

 

الدرس الخامس والخمسون

بيان قدر الصلاة المفروضة وتفسير ذكر

الله فى بعض المواضع

 

     الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

     أما بعد فقد قال رسول الله ﷺ ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم وتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله اهـ [رواه مالك فى الموطإ].

     هذا الحديث يجب حمله على الصلاة أما حمله على الذكر اللسانى أى على الإكثار من لا إله إلا الله والتسبيح والحمد والتكبير فلا يصح لأنه ثبت ثبوتا قطعيا أن أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله الصلوات الخمس [رواه البخارى ومسلم وغيرهما]. فهذا الحديث إن حمل على ظاهره يتنافى مع هذا الأمر الذى ثبت ثبوتا قطعيا لذلك يؤول هذا الحديث ولا يحمل على ظاهره، يؤول بأن المراد بكلمة الذكر فيه هو الصلاة لأن الصلاة ذكر شملت أنواع الذكر أولها التكبير ثم التمجيد ثم قراءة القرءان ثم الركوع وفيه تسبيح ثم الاعتدال وفيه تمجيد الله ثم السجود وفيه تسبيح ثم فى الأخير الشهادتان اللتان هما أفضل الأقوال أى أن أفضل ما ينطق به اللسان لا إله إلا الله محمد رسول الله هذا أفضل الذكر لأن الإنسان بهاتين الكلمتين يدخل فى الإسلام ويخلص من العذاب الأبدى ويكون من أهل النعيم الأبدى.

     فالذين يحملون هذا الحديث على الذكر اللسانى ويظنون أن الواحد إذا جلس وقال ألف مرة أو أقل أو أكثر لا إله إلا الله لا إله إلا الله أو الحمد لله الحمد لله أو سبحان الله سبحان الله أو نحو ذلك من الأذكار الذى يظن من هذا الحديث أن الرسول ﷺ يعنى أن هذا أفضل من الصلوات الخمس وأفضل من الجهاد فى سبيل الله وأفضل من إنفاق الذهب والفضة للمحتاجين هذا فهمه معكوس، لا يليق هذا أن يكون مراد رسول الله ﷺ إنما مراد رسول الله ﷺ بقوله ذكر الله الصلوات الخمس، الصلوات الخمس شملت أنواع الذكر فيها التكبير فيها التحميد فيها التسبيح فيها التهليل.

     معرفة تفسير هذا الحديث أمر مهم لأن من الناس من حملوه على الظاهر. بعض هؤلاء المتصوفة الذين ما عرفوا التصوف على الحقيقة أحدهم يقول الرسول ﷺ قال ذكر الله أفضل من الصلاة ومن إنفاق الذهب والورق ومن الجهاد الرسول قال هذا أفضل، على زعمه الذكر اللسانى أفضل من هذه الأعمال فيقول أنا ما دمت أذكر فى اليوم كذا كذا من العدد فأنا ربحت أكثر مما يربحه المصلون والمجاهدون والمنفقون الذهب والفضة فى سبيل الله، وهذا عكس مفهوم الإسلام، الإسلام لا يقر هذا ولا يقبله، الصلوات الخمس بالإجماع هى أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله وبرسوله فالذى يفسر هذا الحديث بالوجه الآخر أى أنه إذا لزم الإنسان كل يوم الاشتغال بالورد والذكر اللسانى فقال كذا وكذا مرة من التهليل والتسبيح والتحميد والصلاة على النبى ﷺ يكون أعلى من الذى ينفق الذهب والفضة فى سبيل الله والذى يبذل روحه ابتغاء وجه الله تعالى بقتال الكفار والذى يفعل كذا وكذا من الأعمال الدينية. هذا قلب الحقيقة فوقع على فهم خاطىء.

     الصلاة تسمى ذكرا، الله تعالى قال فى سورة الجمعة ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع﴾. ذكر الله هنا معناه الصلاة، الله تعالى سمى الصلاة ذكرا، فإذا الذكر المذكور فى هذا الحديث هو الصلوات الخمس. كثير من الناس إذا نظروا إلى هذا الحديث وفسروه على ظاهره يقعون فى الفهم الخاطىء فتكون عندهم هذه الحضرات التى فيها يهللون ويصلون على النبى إلى ءاخر ما هنالك يرون أن هذا أفضل من الصلوات الخمس ومن الجهاد فى سبيل الله ومن إنفاق الذهب والفضة فى سبيل الله وهذا بعيد عن معنى الدين.