الدَّرْسُ السَّادِسُ
مَا جَاءَ فِى بَدْءِ الْخَلْقِ، الْمَاءُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ بَدْءِ الأَمْرِ أَىْ كَيْفَ بَدَأَ هَذَا الْكَوْنُ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.
أَجَابَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ اللَّهَ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ أَىْ أَزَلِىٌّ وَلا أَزَلِىَّ سِوَاهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَفِى الأَزَلِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شىْءٍ وَمَعْنَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَفَعَلَ، خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَرَافِقَهَا مِنْ أَنْهَارٍ وَجِبَالٍ وَوِدْيَانٍ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَالْحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَنَا التَّأَنِىَ فِى الأُمُورِ.
الْمَاءُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ: وَأَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَاءُ قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ مِنَ الْمَاءِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، يَعْنِى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ النُّورَ وَالظَّلامَ وَالأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ وَالْعَرْشَ وَاللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ خَلَقَ قَبْلَ كُلِّ شَىْءٍ الْمَاءَ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ الْعَرْشَ ثُمَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى ثُمَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ وَخَلَقَ بَعْدَ هَؤُلاءِ سَائِرَ الأَشْيَاءِ أَىِ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ وَالْبَهَائِمَ وَالْجِبَالَ وَالأَشْجَارَ وَالأَنْهَارَ. وَكَانَ ءَاخِرَ الْخَلْقِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ خُلِقَ بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
الْعَرْشُ هُوَ سَرِيرٌ لَهُ قَوَائِمُ وَهُوَ أَكْبَرُ الأَجْسَامِ الَّتِى خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ سَقْفُ الْجَنَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِى جَنْبِ الْكُرْسِىِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِىِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الحَلْقَةِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.
أَىْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِىِّ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ وَكَذَلِكَ الْكُرْسِىُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى فَلاةٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ مِسَاحَةِ الْعَرْشِ الَّذِى يَحْمِلُهُ الآنَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ الضِّخَامِ الْعِظَامِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ بِخَفَقَانِ الطَّيْرِ الْمُسْرِعِ أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَحْمِلُ الْعَرْشَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ.
وَالْعَرْشُ مَحْفُوفٌ بِالْمَلائِكَةِ وَلَيْسَ هُوَ مَكَانًا للَّهِ تَعَالَى لِأَنَ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يَحْتَاجُ لِلْمَكَانِ. قَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ».
فَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِىُّ خَلَقَهُمَا اللَّهُ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ.
أَسْئِلَةٌ:
(1) مَاذَا قَالَ الرَّسُولُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَدْءِ الأَمْرِ.
(2) هَلْ خَلَقَ اللَّهُ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
(3) مَا مَعْنَى اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ.
(4) فِى كَمْ يَوْمٍ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا الْحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ.
(5) مَا هُوَ أَوَّلُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ بَعْدَهُ.
(6) مَا هُوَ الْعَرْشُ، مَا هُوَ ءَاخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ.
(7) الْعَرْشُ أَكْبَرُ الأَجْرَامِ اذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ.
(8) كَمْ مَلَكًا يَحْمِلُ الْعَرْشَ الآنَ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(9) مَنْ يَحُفُّ بِالْعَرْشِ وَمَاذَا قَالَ الإِمَامُ عَلِىٌّ عَنِ الْعَرْشِ.