الإثنين ديسمبر 8, 2025

الإِمَامُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ

 

   يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [سُورَةَ يُونُس].

   سَيِّدُنَا أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ الْكَبِيرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ عَلَمًا شَامِخًا وَجَبَلًا رَاسِخًا وَعَالِمًا جَلِيلًا مُحَدِّثًا فَقِيهًا مُفَسِّرًا ذَا رِوَايَاتٍ عَالِيَاتٍ وَإِجَازَاتٍ رَفِيعَاتٍ قَارِئًا مُجَوِّدًا حَافِظًا حُجَّةً مُتَمَكِّنًا فِى الدِّينِ سَهْلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَعْبًا عَلَى الضَّالِّينَ هَيِّنًا لَيْنًا كَرِيمَ الْخُلُقِ حُلْوَ الْمُكَالَمَةِ لَطِيفَ الْمُعَاشَرَةِ لا يَمَلُّهُ جَلِيسُهُ وَلا يَنْصَرِفُ عَنْ مَجَالِسِهِ إِلَّا لِعِبَادَةٍ حَمُولًا لِلأَذَى وَفِيًّا إِذَا عَاهَدَ صَبُورًا عَلَى الْمَكَارِهِ جَوَادًا مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ ذِلَّةٍ كَاظِمًا لِلْغَيْظِ مِنْ غَيْرِ حِقْدٍ بَحْرًا مِنْ بِحَارِ الشَّرْعِ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ وَارِثًا أَخْلاقَ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

   هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُطْبُ الْغَوْثُ الْجَامِعُ الشَّيْخُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ بنُ عَلِىٍّ الرِّفَاعِىُّ الْحُسَيْنِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

   كَانَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ الصَّادِقِينَ عَامِلًا بِشَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُخَالِفًا لِهَوَاهُ لا يُتْبِعُ نَفْسَهُ الْهَوَى فِى الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِى يَحْفَظُ لَهُ صِحَّةَ جَسَدِهِ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالإِكْثَارِ مِنَ النَّوَافِلِ. وَكَانَ لِسَيِّدِنَا أَحْمَدَ الرِّفَاعِىِّ حَظٌّ كَبِيرٌ بِالتَّوَاضُعِ حَتَّى صَارَ يُضْرَبُ فِيهِ الْمَثَلُ بِالتَّوَاضُعِ وَهَكَذَا مَشَايِخُ سِلْسِلَةِ طَرِيقَتِهِ مَعْرُوفُونَ بَيْنَ الصُّوفِيَّةِ بِالتَّوَاضُعِ وَهَذَا حَظٌّ كَبِيرٌ، الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بَيَّنَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ غَافِلُونَ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ التَّوَاضُعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «إِنَّكُمْ لَتَغْفُلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُعِ».

   ثُمَّ إِنَّ الإِمَامَ الرِّفَاعِىَّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَجْتَمِعُ فِى زَاوِيَتِهِ نَحْوُ مِائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ فِى لَيْلَةٍ مِنَ السَّنَةِ يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الْمَحْيَا كَانَ هُوَ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ وَلا مِنْ بَيْتِ الْوِزَارَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَقُومُ بِذَلِكَ بِمَدَدٍ أَمَدَّهُ اللَّهُ بِهِ وَمَعَ هَذَا كَانَ شَدِيدَ التَّوَاضُعِ، خُلَفَاؤُهُ وَخُلَفَاءُ خُلَفَائِهِ زَادُوا فِى حَيَاتِهِ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ بَلَغَ عَدَدُهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَكَانَتْ تَظْهَرُ لَهُمْ أَحْوَالٌ غَرِيبَةٌ وَهِىَ الْكَرَامَاتُ الَّتِى يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الأَتْقِيَاءَ كَدُخُولِ الأَفْرَانِ الْحَامِيَةِ كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ الْفُرْنَ الْحَامِىَ يَنَامُ فِى جَانِبٍ وَالْخَبَّازُ يَخْبِزُ فِى الْجَانِبِ الآخَرِ لا يَتَأَذَّى بِالنَّارِ لِأَنَّ النَّارَ لا تَخْلُقُ الإِحْرَاقَ إِنَّمَا خَالِقُ الإِحْرَاقِ فِيهَا هُوَ اللَّهُ أَلَمْ تَكُنْ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَذَلِكَ مِنَ الرِّفَاعِيَّةِ مَنْ كَانُوا يُقِيمُونَ حَضْرَةَ الذِّكْرِ وَيُشْعِلُونَ نَارًا عَظِيمَةً فَيَدْخُلُونَ فِيهَا وَيَمْكُثُونَ فِيهَا حَتَّى تَنْطَفِئَ. مَرَّةً قَصَدَ سَيِّدُنَا أَحْمَدُ الْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ وَلَمَّا وَصَلَ الرِّفَاعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَدِينَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ تُجَاهَ حُجْرَةِ النَّبِىِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا جَدِّى فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا وَلَدِى، سَمِعَ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ فِى الْمَسْجِدِ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ قَامَ وَبَكَى وَأَنَّ طَوِيلًا وَقَالَ يَا جَدَّاهُ فِى حَالَةِ الْبُعْدِ رُوحِى كُنْتُ أُرْسِلُهَا تُقَبِّلُ الأَرْضَ عَنِّى وَهِىَ نَائِبَتِى وَهَذِهِ دَوْلَةُ الأَشْبَاحِ قَدْ حَضَرَتْ فَامْدُدْ يَمِينَكَ كَىْ تَحْظَى بِهَا شَفَتِى فَمَدَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ الشَّرِيفَةَ الْعَطِرَةَ مِنْ قَبْرِهِ الأَزْهَرِ الْمُكَرَّمِ فَقَبَّلَهَا فِى مَلَإٍ يَقْرُبُ مِنْ تِسْعِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ الْيَدَ الشَّرِيفَةَ.

   هَذَا الإِمَامُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ الرِّفَاعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى أَفَاضَ عَلَيْهِ بِجَوَاهِرِ الْكَلِمِ فَمِنَ الْجَوَاهِرِ الَّتِى تَكَلَّمَ بِهَا فِى عِلْمِ الأُصُولِ «غَايَةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ».

   وَمِنْ جَوَاهِرِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ «يَا وَلَدِى إِذَا تَعَلَّمْتَ عِلْمًا وَسَمِعْتَ نَقْلًا حَسَنًا فَاعْمَلْ بِهِ وَلا تَكُنْ مِنَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَلا يَعْمَلُونَ».

   وَيَقُولُ «الْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَيْفَ يَنْسَى الْمَوْتَ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُفَارِقُ الدُّنْيَا كَيْفَ يَنْكَبُّ عَلَيْهَا وَيَقْطَعُ أَيَّامَهُ بِمَحَبَّتِهَا».

   وَيَقُولُ «الدُّنْيَا أَوَّلُهَا ضَعْفٌ وَفُتُورٌ وَءَاخِرُهَا مَوْتٌ وَقُبُورٌ».

   فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُزَهِّدَنَا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِبَرَكَاتِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الرِّفَاعِىِّ الْكَبِيرِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.