الخميس نوفمبر 21, 2024

مَعَاصِي الرِّجْلِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) وَمِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمَشْيُ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْمَشْيِ فِي سِعَايَةٍ بِمُسْلِمٍ أَيْ لِلإِضْرَارِ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ فِي قَتْلِهِ أَيِ الْمَشْيِ لِقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ لِلإِضْرَارِ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي مِنَ الْكَبَائِرِ السِّعَايَةَ بِالْمُسْلِمِ لِلإِضْرَارِ بِهِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ فِيهَا أَذًى كَبِيرٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا إِدْخَالُ الرُّعْبِ إِلَى الْمَسْعِيِّ بِهِ وَإِرْجَافُ أَهْلهِ وَتَرْوِيعُهُمْ بِطَلَبِ السُّلْطَانِ كَهَؤُلاءِ الْجَوَاسِيسِ الَّذِينَ يَتَجَسَّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذونَ الأَخْبَارَ إِلَى الْحُكَّامِ لِيَضُرُّوا الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا إِذَا كَانَتِ السِّعَايَةُ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا السِّعَايَةُ بِحَقٍّ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَتْ حَاجَةٌ شَرْعِيَّةٌ إِلَى النَّمِيمَةِ جَازَتْ وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ أَيْ عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ فَإِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ لِلنَّمِيمَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُفْسِدَيْنِ لإِبْعَادِهِمَا عَنْ هَذَا الْفَسَادِ وَلإِضْعَافِ الْفَسَادِ الَّذِي بَيْنَهُمَا جَازَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْمَشْيُ بِالرِّجْلِ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَالْمَشْيِ لِلزِّنَى بِامْرَأَةٍ أَوِ التَّلَذُّذِ بِهَا بِمَا دُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ حِزْبِ التَّحْرِيرِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا أَنَّهُمْ نَشَرُوا بِطَرَابُلُسَ الشَّامِ مَنْشُورًا يَتَضَمَّنُ جَوَازَ مَشْيِ الرَّجُلِ لِلزِّنَى بِامْرَأَةٍ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ إِنَّمَا الْحَرَامُ الزِّنَى الْحَقِيقِيُّ بِاسْتِعْمَالِ الآلَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ بِقَصْدِ الْفُجُورِ بِغُلامٍ لا يَكُونُ مَعْصِيَةً عِنْدَهُمْ إِلَّا بِاسْتِعْمَالِ الآلَةِ فِيهِ وَكَفَاهُمْ هَذَا خِزْيًا، وَقَدْ نَاظَرَ بَعْضُ كِبَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.

   قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الأَوْسَطِ مَا نَصُّهُ:

   «ذِكْرُ التَّغْلِيظِ فِي السِّعَايَةِ بِالْمَرْءِ الْبَرِيءِ إِلَى السُّلْطَانِ [إِعْطَاءُ الْخَبَرِ لِلْحَاكِمِ لِلإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ يُقَالُ لَهُ سِعَايَةٌ]

   حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ حَتَّى نَسْأَلَ هَذَا النَّبِيَّ (عَلَيْهِ السَّلامُ) فَقَالَ لا تَقُلْ إِنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَ صَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ [يَعْنِي يَتَكَبَّرُ] فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/101] قَالَ «لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ، وَلا تَذْهَبُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ» الْحَدِيثَ [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ]، وَفِيهِ «وَعَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ خَاصَّةً أَنْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» فَقَبَّلا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ «فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي»؟ قَالا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ لا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اهـ وَهَذَا افْتِرَاءٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَدْعُ بِذَلِكَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِبَاقُ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ بِرِّ وَالِدَيْهِ أَوْ تَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ.

   الشَّرْحُ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِبَاقُ أَيْ هُرُوبُ الْعَبْدِ أَيِ الْمَمْلُوكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ سَيِّدِهِ وَالزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَذَلِكَ كَبِيرَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مُسْنَدِهِ «الْعَبْدُ الآبِقُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاتَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَوَالِيهِ» وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبِقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ».

   وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْهَرَبُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَى الشَّخْصِ عَمَّا يَلْزَمُهُ كَأَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ بِأَنْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً عَمْدًا ظُلْمًا أَوْ فَقَأَ عَيْنَ شَخْصٍ مَعْصُومٍ عَمْدًا ظُلْمًا، أَوْ نَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْوَالِدَيْنِ أَوْ لِلأَطْفَالِ.

   وَتَحْرِيْمُ الْهُرُوبِ مِنَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ] وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ يَعُولُ» [أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»] أَيْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ التَّبَخْتُرَ فِي الْمَشْيِ أَيْ مِشْيَةِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/37] أَيْ لا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مُخْتَالًا فَخُورًا. وَالْمَرَحُ الأَشَرُ وَالْبَطَرُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [فِي شُعَبِ الإِيـمَانِ]. وَمِنْ عَادَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ عِنْدَمَا يَمْشُونَ أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَيَمُدُّونَ أَيْدِيَهُمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَى ثِيَابِهِمْ مُعْجَبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ أَخْبَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مُتَبَخْتِّرًا يَنْظُرُ فِي جَانِبَيْهِ أَعْجَبَهُ ثَوْبُهُ وحُسْنُ شَعَرِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي مُتَبَخْتِّرًا أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ الأَرْضَ فَبَلَعَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [تَجَلْجَلَ أَيْ سَاخَ وَدَخَلَ فِيهَا] وَهَذِهِ الْحَادِثَةُ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا عِبْرَةً لِلنَّاسِ.

   وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ» أَيْ لا يُكْرِمُهُ بَلْ يُهِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا التَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ لإِرْهَابِ الْعَدُوِّ فِي الْجِهَادِ حَتَّى يَقُولَ الْكُفَّارُ هَؤُلاءِ نُشَطَاءُ أَقْوِيَاءُ فَجَائِزٌ.

   تَنْبِيهٌ إِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا مَعْنَاهُ لا يُكْرِمُهُ بَلْ يَكُونُ مُهَانًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّظَرَ بِالْجَارِحَةِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بِالْجَارِحَةِ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، اللَّهُ يَرَى بِرُؤْيَةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ، يَرَى ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ وَالْحَادِثَاتِ بِرُؤْيَةٍ أَزَلِيَّةٍ لا بِرُؤْيَةٍ تَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَخَطِّي الرِّقَابِ إِلَّا لِفُرْجَةٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ تَخَطِّيَ الرِّقَابِ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الإِيذَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُسْرٍ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ يَخْطُبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ فَقَدْ ءَاذَيْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] وَابْنُ حِبَّانَ [فِي صَحِيحِهِ]، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ [فِي شُعَبِ الإِيـمَانِ] وَغَيْرُهُ «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ» مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ ءَاذَى الْمُسْلِمِينَ بِتَخَطِّيهِ رِقَابَ النَّاسِ بِإِصَابَتِهِ بِرِجْلِهِ أُذُنَ هَذَا أَوْ رَقَبَةَ هَذَا أَوْ رَأْسَ هَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. أَمَّا التَّخَطِّي لِفُرْجَةٍ أَيْ لِأَجْلِ سَدِّهَا فَهُوَ جَائِزٌ.

   وَيُسْتَثْنَى تَخَطِّي الإِمَامِ مِنْ أَجْلِ بُلُوغِ الْمِحْرَابِ أَوِ الْمِنْبَرِ إِذَا كَانَ لا يَتَمَكَّنُ إِلَّا بِهِ فَإِنَّهُ لا يُكْرَهُ لِاضْطِرَارِهِ إِلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ كُرِهَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ السُّتْرَةِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي صَلاةً صَحِيحَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الْمُصَلِّي مَعَ حُصُولِ السُّتْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِأَنْ قَرُبَ مِنْهَا ثَلاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ بِذِرَاعِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ مُرْتَفِعَةً ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَمُصَلًّى يَفْتَرِشُهُ [كَسَجَّادَةِ صَلاةٍ وَنَحْوِهَا] فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَخَطٌّ يَخُطُّهُ إِلَى نَحْوِ الْقِبْلَةِ وَيَكُونُ هَذَا الْخَطُّ عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي أَوْ عَنْ شِمَالِهِ لا أَمَامَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْرُمِ الْمُرُورُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَصَّرَ هُوَ بِأَنْ صَلَّى فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْمُرُورُ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَالْمَطَافِ أَوْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي صَفٍّ أَمَامَهُ فَاحْتِيجَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِسَدِّهَا فَلا يَحْرُمُ. وَتَحْرِيْمُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي صَحِيحَيْهِمَا] بِدُونِ لَفْظِ «خَرِيفًا». فَإِذَا وُجِدَتِ السُّتْرَةُ سُنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْفَعَ الْمَارَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ السُّتْرَةُ فَلَيْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُزْعِجَ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوِ اقْتَرَبَ مِنْهُ بِذِرَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

   وَأَمَّا الْمُرُورُ بَيْنَ صُفُوفِ الْمُصَلِّينَ فَإِذَا كَانَ مَا بَيْنَ الصَّفَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ فَيَجُوزُ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَإِذَا كَانَ شَخْصٌ يُصَلِّي وَأَمَامَهُ شَخْصٌ قَاعِدٌ فَلا يُعَدُّ هَذَا الْقَاعِدُ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي. الصَّلاةُ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ مَكْرُوهَةٌ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ يَغْرِزَ شَيْئًا أَوْ يَخُطَّ خَطًّا وَسَجَّادَةُ الصَّلاةِ تَكْفِي كَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لا يَزِيدَ طُولُهَا عَلَى ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ، أَمَّا إِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَرَفَيْهَا خَمْسَةُ أَذْرُعٍ أَوْ سِتَّةٌ فَهَذَا خِلافُ السُّنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَضَعْ سُتْرَةً يَقِلُّ الثَّوَابُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَدُّ الرِّجْلِ إِلَى الْمُصْحَفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُرْتَفِعٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الرِّجْلِ مَدَّهَا إِلَى الْمُصْحَفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُرْتَفِعٍ عَلَى شَىْءٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِهَانَةً لَهُ أَمَّا إِذَا كَانَ مُرْتَفِعًا فَلَيْسَ حَرَامًا وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ بَعِيدًا، كَمَا يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِنَجِسٍ وَمَسُّهُ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ بِرَطْبٍ أَوْ بِجَافٍّ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ. وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ كَتْبِ الْفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ لِلِاسْتِشْفَاءِ إِنْ عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ فَهُوَ ضَلالٌ مُبِينٌ بَلْ كُفْرٌ، أَنَّى يَكُونُ فِي ذَلِكَ شِفَاءٌ وَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ ذَلِكَ؟! كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ تَقْلِيبِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِالإِصْبَعِ الْمَبْلُولَةِ بِالْبُصَاقِ، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ عِلَّيْشٍ الْمَالِكِيُّ مُفْتِي الْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي فَتَاوِيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ رِدَّةٌ، وَإِنْ كَانَ إِطْلاقُ هَذَا الْقَوْلِ غَيْرَ سَدِيدٍ لَكِنْ تَحْرِيْمُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ تَرَدُّدٌ بَلْ يَحْرُمُ كِتَابَةُ شَىْءٍ مِنَ الْقُرْءَانِ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِالدَّمِ بِدَمِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ لِلِاسْتِشْفَاءِ وَغَيْرِهِ.

   وَلا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الْمَذْهَبُ الْحَنَفِيُّ بَرِيءٌ مِنْهُ، وَبَعْضُ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ مَنْقُولٍ أَيْ لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، وَمَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَقَدْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ. بَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ فِي ثَبْتِهِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَقَّادِ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ «عُقُودُ اللآلِئِ»: «لا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْءَانِ بِالدَّمِ» فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُنْسَبُ إِلَى ابْنِ عَابِدِينَ (مِمَّا ذُكِرَ فِي الْحَاشِيَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ) مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا فَهُوَ كَذِبٌ مَدْسُوسٌ عَلَيْهِ.

   وَأَمَّا الْوُقُوفُ عَلَى سَجَّادَةِ الصَّلاةِ الَّتِي عَلَيْهَا صُورَةُ مَسْجِدٍ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، الْكَعْبَةُ أَلَيْسَ يَجُوزُ الصُّعُودُ عَلَى سَطْحِهَا؟.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُلُّ مَشْيٍ إِلَى مُحَرَّمٍ وتَخَلُّفٍ عَنْ وَاجِبٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ مَعَاصِي الرِّجْلِ الْمَشْيَ بِهَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إِلَى مَا فِيهِ إِضَاعَةُ وَاجِبٍ كَأَنْ يَمْشِيَ مَشْيًا يَحْصُلُ بِهِ إِخْرَاجُ صَلاةٍ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُنَافِقُون/9]. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةُ حِزْبِ التَّحْرِيرِ حَيْثُ قَالُوا إِنَّهُ لا يَحْرُمُ الْمَشْيُ بِقَصْدِ الزِّنَى بِامْرَأَةٍ أَوِ الْفُجُورِ بِغُلامٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ فِي التَّطْبِيقِ بِالْفِعْلِ وَقَوْلُهُمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ »إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ ءَادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ» وَفِيهِ »وَزِنَى الرِّجْلِ الْخُطَى».