الأحد ديسمبر 22, 2024

#65 -2-4 سيدنا داود عليه الصلاة والسلام

أصبح “طالوتُ” مَلِكًا على بني إسرائيلَ وأيّدَه الله تعالى على الْمُلكِ بعوْدةِ التابوتِ الذي فيه ألواحُ موسى وعَصاهُ إليهم وكانَ هذا علامةً على بركةِ مُلْكِ “طالوتَ” عليهم. واختارَ مَلكُهم “طالوتُ” الجنودَ الأقوياءَ الأشداءَ وخرجَ بهم لقتالِ عدوِّهم، وفي الطريقِ اشتدَ بهمُ الظمأُ في رحلةٍ برِّية طويلةٍ وشاقةٍ وكانوا ثمانينَ ألفًا، ومرّوا في طريقهم بنَهرٍ قيلَ بينَ الأردن وفِلسطينَ، فأرادَ مَلِكُهم أن يَختَبرَهم فأمرَهم ألا يشربوا منه إلا مَن أخذَ جَرعةً من الماء ليَبُلَ بها ظمأَه، وكان ذلك اختبارًا وامتحانًا من “طالوتَ” لجنوده في قوةِ بأسِهم وإرادتِهم، فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلا قَلِيلًا ولم يبقَ مع طالوتَ عليه السلام إلا عددٌ قُدِّر بثلاثمائةٍ وبِضعةِ عشرَ رجلًا، وتابعَ بهم ملكُهم “طالوتُ” لقتالِ أعدائِهمُ الكافرينَ المشركينَ، وأمّا بقيةُ الجنودِ الثمانينَ ألفًا فقد رجعوا حيث إنَّ إرادتَهم كانت ضعيفةً خَوّارة، فلذلك لم يَصحبهم طالوتُ معهُ لقتالِ خُصومِه المشركينَ والذين كان على رأسهِم الملِكُ “جالوتُ” الذي كان جبّارًا طاغيًا يَهابُه الناسُ من بني إسرائيل. ولما جاوزَ طالوتُ عليه السلام والمؤمنونَ الذين بقَوا معه النهرَ استقلَّ أصحابُه هؤلاء أنفسَهم عن لقاءِ عدوِهم لكثرتِهم ولجبروتِ ملِكِهم إلا قليلًا منهم ممن ثبّتَ الله تعالى قلوبَهم وقوّى عزيمتَهم، وكان فيهم العلماءُ العاملون، فأَخذوا يُثَبِّتونَ إخوانَهم المؤمنين ويُقوُّون عزائمَهم ويذكِّرونَهم بنصرِ الله وأنّ النصرَ من عندِ الله ينصرُ من يشاءُ من عباده. ولَمّا تقدمَ طالوتُ ومن معه من المؤمنينَ من بني إسرائيلَ إلى جالوتَ ومن معه من المشركين وتَصافّوا للقتال، طلبَ ملكُهم جالوتُ قبل بَدءِ المعركةِ المبارزةَ فتَقدّم إليه فتىً شجاعٌ يُسمى داود وهو من سِبْطِ يهوذا بنِ يعقوب، فلمّا أقبل داودُ على جالوتَ احتقرَه جالوتُ وازدراه وقال له: “ارجع فإني أكرهُ قتلَك” فما كان من داودَ إلا أن قالَ له بكلِ شجاعةٍ وجُرأة: ولكني أحبُّ قَتْلَك، ثم حصلت مبارزةٌ بين “جالوتَ” الطاغية وبين داودَ عليه السلام، فقتلَ داودُ جالوتَ ثم التحمَ القتال، وانهزمَ جيشُ جالوتَ من المشركين. وكان طالوتُ قد وعدَ داودَ إن قتلَ جالوتَ أن يُزوّجَه ابنتَه ويشاطرَه نعمتَه ويُشرِكَه في أمره، فوفّى له وعدَه. ثم ءالَ الملكُ إلى داودَ عليه السلام مع ما منحَه الله تعالى من النبوّةِ العظيمةِ والعلمِ الوافر، ومنذ ذلكَ الحين لَمَعَ اسمُ داودَ بينَ شعب بني إسرائيلَ وتتابعتِ الانتصاراتُ على يديه، وأعزّ الله تعالى بني إسرائيلَ بعد أن كانوا في ذُلٍّ وهوان، وكان بنو إسرائيلَ قد اجتَمعوا بعد وفاةِ مَلِكِهم طالوتَ على مُبايَعةِ داودَ عليه السلام على الْمُلكِ فأصبحَ مَلِكًا عليهم وكان عمُرُه لا يزيدُ على ثلاثينَ سنةٍ وقد حكمَ شعبَه بالعدل عليه السلام، وطبّقَ عليهم أحكامَ شريعةِ التوراة. نقف هنا ونتابع بإذن الله في الحلقة المقبلة كلامَنا عن سيدنا داودَ عليه السلام. فتابعونا وإلى اللقاء.