#64 1-4 سيدنا داود عليه الصلاة والسلام
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. أما بعد نتَكلمُ اليومَ عن نبيِ الله داودَ عليه السلام. وداودُ عليه السلامُ هو من الأنبياءِ والرُسُلِ الكِرام، وقد ءاتاهُ الله تعالى النُبوةَ والْمُلكَ وجعلَهُ رسولًا إلى بني إسرائيل، وقد وردَ اسمُ داودَ عليه الصلاةُ والسلامُ في القرءانِ الكريمِ في سِتةَ عشرَ مَوضعًا. ويَنتهي نسبُه الشريف عليه السلامُ إلى يَهوذا بنِ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم. وقد جَمعَ الله تبارك وتعالى لهُ بينَ النُبوةِ والْمُلك وأنزلَ عليه الزبور. فبعدَ وفاةِ هارونَ وموسى عليهما السلام تَولى أمرَ بني إسرائيل نبيٌّ مِن أنبيائِهم يُدعى يوشعُ بنُ نون عليه السلام، فدخلَ بهم بلادَ فِلسطينَ التي كانوا قد وُعِدوا بها على لسانِ موسى عليه السلامُ في التوراة، وقام بأمرهِ عليه الصلاةُ والسلام إلى وفاتِه، ولما تُوفي تَولّى أمرَهم قَضاةٌ منهم وبَقَوا على ذلكَ مُدةً طويلةً من الزَمَن، وفي هذهِ الفَترةِ دَبَّ إلى بني إسرائيلَ الوَهَنُ والضَعفُ وفَشَت فيهمُ المعاصي والمنكرات، ودخلتِ عبادةُ الأوثانِ والأصنامِ في صفوفِهم فَسَلَّطَ الله تعالى عليهم الأُممَ القَريبةَ منهم، فغزاهُمُ العَمالِقةُ والآرامِيونَ وغيرُهُم، وكانوا إلى الخِذلانِ أقرب منهم إلى النصرِ في كثيرٍ من حروبِهم مع أعدائِهم، وكانَ بنو إسرائيلَ قد قَتلوا كثيرًا من الأنبياءِ فسَلَّطَ الله عليهم مُلوكًا جبارينَ يَسفِكونَ دماءَهم وسَلَّطَ عليهمُ الأعداءَ من غيرِهم، وكانوا إذا قاتَلوا أحدًا من الأعداءِ يكونُ معهم “تابوت الميثاق” وفيه ألواحُ موسى وعصاهُ عليه السلام، وقد كانَ بنو إسرائيلَ يُنصَرونَ بِبَرَكَتِه ولِوجودِ التَوراةِ بَينهم منذُ قديمِ الزمانِ وكانَ ذلكَ مَوروثًا لِخَلَفِهم عن سَلَفِهم، فلم يَزل بِهم تَماديهم على الضلالِ والفسادِ حتى إذا كانوا في بعضِ حروبِهم مع أهلِ غزةَ وعَسقلان غلبهم هؤلاء الأعداءُ على أخذِ التابوت فانتزعوهُ من بين أيديهم وأُخِذتِ التوراةُ من أيديهم ولم يَبقَ من يَحفَظُها منهم إلا القليل، وفي هذه الحروبِ ماتَ مَلِكُهم الذي كان يَقودُهم كَمدًا وبقيَ بنو إسرائيلَ كالغَنمِ بلا راع، حتى هيّأ الله تبارك وتعالى لهم غُلامًا يقال له “شَمويل” نشأَ فيهم وتولاهُ الله بعنايتِه وأنبتَه نباتًا حسنًا، ثم جعلَهُ الله نبيًا وأوحى إليه وبَعثَه إلى بني إسرائيل، وأمرَه بالدعوةِ إلى دينِه الإسلام وتوحيدِه تعالى وتركِ عِبادةِ الأصنام، فلما دعا نبي الله شمويل قومَه بني إسرائيلَ إلى دينِ الله طلبوا منه أن يُقيمَ عليهم ملِكًا يُقاتِلونَ معه أعداءَهم فأوحى الله تعالى إلى نبيِه شمويل أن يَجعلَ عليهم “طالوتَ” مَلِكًا وكانَ رجلًا من أجنادِهم ولم يكن من بيتِ الْمُلك فيهم، فملَّكَه الله تعالى عليهم لِقُوَّتِه الجسميةِ والعِلمية، ولكنَّ بني إسرائيلَ تَمردوا على تولّيهِ الْمُلْكَ وقالوا لنبيهم إنه فقيرٌ لا مالَ له يَقومُ بالْمُلْكِ، وقد ذَكرَ بعضُهم أنه كانَ سقَّاءً، فأجابَهم نبيُّهم أنّ اللهَ اختارَه لكم من بينِكم والله أعلم بهِ منكُم وهو معَ هذا قد وَهبَهُ الله وزادَه بالعلمِ والجسمِ، فهو أشدُ قُوةً وصبرًا في الحربِ ومَعرفةً بها. نقف هنا الآن لنكلمكم في الحلقة المقبلة عن طالوت وعن المبارزة التي دارت بين سيدنا داود وجالوت فتابعونا وإلى اللقاء.