9 – الهجرة إلى المدينة المنورة
بَعْدَ أَنْ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ بَيْتِهِ لِلْهِجْرَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُ بِالْهِجْرَةِ، فَطَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْحَبَهُ مَعَهُ فَوَافَقَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَكِبَا عَلَى نَاقَتَيْنِ كَانَ قَدْ أَعَدَّهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقَا حَتَّى وَصَلا إِلَى غَارِ ثَوْرٍ فَدَخَلاهُ. وَأَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً فَنَبَتَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ الْغَارِ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَتْبَعُونَهُمَا، فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنْهُمَا أَرْسَلُوا رَجُلًا لِيَنْظُرَ إِلَى الْغَارِ فَلَمَّا رَأَى الْحَمَامَتَيْنِ وَالشَّجَرَةَ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لا يُوجَدُ أَحَدٌ فِي الْغَارِ. وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبَ الْكُفَّارُ بِمُدَّةٍ أَكْمَلَ الرَّسُولُ وَصَاحِبُهُ طَرِيقَهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَحِقَهُمَا سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَدْ وَضَعُوا جَائِزَةً لِمَنْ يَأْتِيهِمْ بِهِمَا، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهُمَا دَعَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ، فَطَلَبَ سُرَاقَةُ مِنَ النَّبِيِّ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَوَعَدَ النَّبِيَّ أَنَّهُ لَنْ يُخْبِرَ أَحَدًا عَنْهُمَا، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَتْ فَرَسُهُ إِلَى حَالِهَا، وَرَجَعَ هُوَ إِلَى أَصْحَابِهِ. وَفِي طَرِيقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَعَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ أُرَيْقِطٍ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، وَمَرُّوا بِأُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ وَهِيَ لا تَعْرِفُهُمْ، فَقَالَ لَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ مَعْبَدٍ هَلْ عِنْدَكِ مِنْ لَبَنٍ»؟ فَقَالتْ لا وَاللَّهِ، فَرَأَى شَاةً فِي الْبَيْتِ فَسَأَلَهَا عَنْهَا. فَقَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجُهْدُ وَهِيَ لا تُحْلَبُ، فَمَسَحَ عليه الصلاة والسلام ظَهْرَهَا وَضَرْعَهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فَحَلَبَ فِيهِ فَمَلَأَهُ فَسَقَى أَصْحَابَهُ، ثُمَّ حَلَبَ فِي الإِنَاءِ وَتَرَكَهُ عِنْدَهَا وَارْتَحَلَ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَدِينَةِ قَدْ سَمِعُوا بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا يَنْتَظِرُونَ قُدُومَهُ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَظَرُوا حَتَّى قَوِيَتْ عَلَيْهِمْ حَرَارَةُ الشَّمْسِ فَرَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ. وَبَعْدَ رُجُوعِهِمْ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، فَرَءَاهُمَا رَجُلٌ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يُخْبِرُ الأَنْصَارَ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجُوا لِاسْتِقْبَالِهِ عليه الصلاة والسلام. وَدَخَلَ الحبيبُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى نَاقَتِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى بَرَكَتْ عَلَى الْبُقْعَةِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا مَسْجِدَهُ الشَّرِيفَ وَأَقَامَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِيِّ وَهُوَ خَالِدُ بنُ زَيْدٍ حَتَّى انْتَهَى مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ وَمَسَاكِنِ أَزْوَاجِهِ.