4 – قبل نزول الوحي على رسول الله ﷺ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين أما بعد تُوُفِّيَتْ ءَامِنَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ ابْنُ سِتِّ سَنَوَاتٍ، فَأَخَذَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَوْصَى عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ بِحِفْظِهِ فَجَعَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّهُ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى أَوْلادِهِ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا نَحْوَ الشَّامِ فَرَءَاهُ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَا الرَّاهِبُ، فَقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. ثُمَّ قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: إِنَّ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنًا عَظِيمًا، ارْجِعْ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ. فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تِجَارَتِهِمْ خَرَجَ بِهِ سَرِيعًا وَرَجَعَ بِهِ فَمَا خَرَجَ بِهِ سَفَرًا بَعْدَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعْدَ زَمَنٍ عَرَضَ عَلَيْهِ عَمُّهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالتِّجَارَةِ مَعَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَبِلَ، وَخَرَجَ مَعَ غُلامِهَا مَيْسَرَةَ فِي قَافِلَةِ بَضَائِعَ إِلَى أَوَائِلِ بِلادِ الشَّامِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحِجَازِ. وَكَانَ مَيْسَرَةُ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ حَكَى لَهَا مَا رَأَى. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. ثُمَّ لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَثَلاثِينَ سَنَةً كَانَ بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ قَدْ صَارَ ضَعِيفًا، فَجَدَّدَتْ قُرَيْشٌ بِنَاءَهَا فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ اخْتَلَفُوا مَنْ يَضَعُ الْحَجَرَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَوَّلُ دَاخِلٍ يَدْخُلُ، فَدَخَلَ سيدنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستبشروا فَقَالُوا: هَذَا الأَمِينُ قَدْ رَضِينَا حُكْمَهُ، فَبَسَطَ ثَوْبَهُ وَوَضَعَ الْحَجَرَ فِيهِ وَقَالَ: «لِيَأْخُذْ رَئِيسُ كُلِّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِيهِ وَارْفَعُوهُ جَمِيعًا»، ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ.