الخميس نوفمبر 21, 2024

2 – ذكر رضاعته ﷺ

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام. أما بعدُ وَلَدَتْ ءَامِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَامِ الْفِيلِ وَأَرْضَعَتْهُ أَوَّلَ الأَمْرِ. وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَجْلِبُوا الْمُرْضِعَاتِ لِأَوْلادِهِمْ، وَكَانَ بَنُو سَعْدٍ فِي ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ فَقَدِمُوا إِلَى قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ لِيَأْخُذُوا الأَوْلادَ لِلإِرْضَاعِ بِالأُجْرَةِ، فَعُرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْضِعَاتِ فَلَمْ تَرْضَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِأَخْذِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَتِيمًا، وَكَانَتْ كُلُّ مُرْضِعَةٍ تَأْمَلُ أَنْ تَحْظَى بِوَلَدٍ مِنْ أَوْلادِ الأَغْنِيَاءِ، فَأَخَذَتْ كُلُّ مُرْضِعَةٍ وَلَدًا وَلَمْ يَبْقَ سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْهُ حَلِيمَةُ. وَقَدْ ذَكَرَتْ حَلِيمَةُ أَمْرَ رَضَاعِهِ مِنْهَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَقَالَتْ: خَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ بِمَكَّةَ عَلَى أَتَانٍ لِي أَيْ أُنْثَى الْحِمَارِ فِي سَنَةِ قَحْطٍ لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا وَمَعِي زَوْجِي، وَمَعَنَا نَاقَةٌ وَاللَّهِ لا نَحْلُبُ مِنْهَا قَطْرَةَ لَبَنٍ وَاحِدَةً، وَمَعِي صَبِيٌّ لِي لا نَنَامُ لَيْلَتَنَا مِنْ بُكَائِهِ وَمَا فِي ثَدْيَيَّ مَا يُشْبِعُهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، لِأَنَّنَا كُنَّا نَرْجُو كَرَامَةَ الرَّضَاعَةِ مِنَ الْوَالِدِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتِيمًا، وَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ مَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ بِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ صَبِيًّا غَيْرِي فَكَرِهْتُ أَنْ أَرْجعَ وَلَمْ ءَاخُذْ شَيْئًا وَقَدْ أَخَذَتْ صَوَاحِبِي فَقُلْتُ لِزَوْجِي: وَاللَّهِ لَأَرْجِعَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ. قَالَتْ حَلِيمَةُ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذَتْهُ وَرَجَعْتُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ زَوْجِي: قَدْ أَخَذْتِهِ فَقُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، فَقَالَ أَصَبْتِ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ خَيْرًا. قَالَتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ جَعَلْتُهُ فِي حِجْرِي حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِي بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَشَرِبَ أَخُوهُ (تَعْنِي ابْنَهَا) حَتَّى رَوِيَ، وَقَامَ زَوْجِي إِلَى نَاقَتِنَا مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا بِهَا حَافِلٌ أَيْ ضَرْعُهَا مَلْآنُ بِاللَّبَنِ، فَحَلَبْنَا مِنَ اللَّبَنِ مَا شِئْنَا وَشَرِبْنَا حَتَّى رَوِينَا وَبِتْنَا لَيْلَتَنَا تِلْكَ شِبَاعًا وَقَدْ نَامَ صَبِيَّانَا. فَقَالَ لِي زَوْجِي: وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ أَصَبْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، وَقَدْ نَامَ صَبِيَّانَا وَرَوِيَا. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَسَبَقَتْ حِمَارَتِي الرَّكْبَ كُلَّهُ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ وَيْحَكِ تَمَهَّلِي أَلَيْسَتْ هَذِهِ حِمَارَتُكِ الَّتِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ بَلَى وَاللَّهِ، وَهِيَ لا تَزَالُ قُدَّامَنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ حَاضِرِ بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ فَقَدِمْنَا عَلَى أَجْدَبِ أَرْضٍ [وَالْجَدْبُ ضِدُّ الْخِصْبِ]، فَوَالَّذِي نَفْسُ حَلِيمَةَ بِيَدِهِ إِنْهُمْ كَانُوا لَيَسْرَحُونَ أَغْنَامَهُمْ إِذَا أَصْبَحُوا وَيَسْرَحُ رَاعِي غَنَمِي. فَتَرْجِعُ غَنَمِي سَمِينَةً ضُرُوعُهَا مَلِيئَةٌ بِاللَّبَنِ، وَتَرْجِعُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا بِهَا مِنَ اللَّبَنِ. فَنَشْرَبُ مَا شِئْنَا مِنَ اللَّبَنِ وَمَا فِي الْحَاضِرِ أَحَدٌ يَحْلُبُ قَطْرَةً وَلا يَجِدُهَا.