#25 سيدنا محمد رسول الله ﷺ
الحمد لله العزيزِ الجبّارِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ المختار وعلى آلهِ وأصحابِه الأخيارِ أما بعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم علّم أمته أن كُلَّ مسلمٍ مأمورٌ بأن يحفَظَ إسلامَهُ مِنَ الردة. والردة هى الكفر بعد الإسلام، وهى تَقطَعُ الإسلامَ وتُبطِلُهُ، أى بمجرد حصول الردةِ لا يبقى الشخصُ مسلِمًا بل يصيرُ فورًا كافرًا ولو كان أبواه مسلمَيْنِ. وقد كَثُرَ فى هذا الزمانِ التساهلُ فى الكلام حتى إنه يخرج من بعضهم ألفاظٌ تُخرِجُهم عن الإسلام ولا يرَون ذلك حرامًا ولا يعتقدون أن ما قالُوه كفرٌ يخرجُهُم من الإسلام، وهو حقيقةً مُخْرِجٌ لهم من الدين. وهذا مصداقُ قولِهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ : “إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بأسًا (أي لا يرى فيها ضررا) يهوِى بها فِى النار سبعين خريفًا” أى مسافةَ سبعين عامًا فى النزول وذلك منتهَى جهنم وهو خاصٌ بالكفار. والحديثُ رواه الترمذىُّ وحَسَّنَهُ، وهذا الحديثُ دليلٌ على أنه لا يُشترَطُ فى الوقوعِ فى الكفر معرفةُ الحكمِ ولا انشراحُ الصدرِ ولا اعتقادُ معنى اللفظِ الكفري. معنى ذلك أن العبد يَقَعُ فى الكفر بمجردِ النطقِ باللفظِ الكفرىِّ، ولو كان لا يعتقدُ معنى ذلك الكلام فى قلبه، بل مُجَرَّدُ أَن يَقُولَهَا بإرادَتِهِ يكون كفرًا ولو كان لا يعتقدُ المعنى، كَمَن يَسُبُّ الله تعالى فإنه لا يُشترط لوقوعه فى الكفر اعتقادُ هذا المعنى الكفرىّ، ولا يُشترط أن ينشَرِحَ صدرُهُ للكفر. الإنسانُ الذى يقتُلُ شخصًا بغير حق لا يسألُهُ القاضى هل كنتَ منشرحَ الصدر لما قتلتَه أم لا، ليحكُم عليه بالحكم المناسب. وكذلك الذى يسرِقُ لا يسألُه القاضى حتى يُصدِرَ عليه الحكمَ هل كنتَ منشرحَ الصدر لما سرقتَ أم لا؛ فإذا كان الأمرُ كذلك فى القتل والسرقة اللذَينِ هما أخفُ بكثير من ذنب الكفر، فكيف بالنسبة للكفر؟!!. وكذلك لا يُشترط ليُحكَم على شخصٍ بالكفر أن يكون نطق بالكفر فى حال الرِضَى أى فى غيرِ حال الغضب. يَعنِى أنَّ مَنْ نَطَقَ بكلمةِ الكفر فى حال الرضى أو فى حال الغضب فهو كافر إلا إذا كان غَضَبًا شديدًا جدًا بحيثُ غاب عقلُه بسَبـَبِهِ فما عاد يَعِي ماذا يقول، فَقَدَ التمييز، فعند ذلك لا يكتب عليه اللفظ الكفرىّ. أما فى غير ذلك من أحوال الغضب فإنه يُكتب عليه مهما بلغ به الغضب طالما هو يَتَكلَّمُ بإرادته. والردةُ ثلاثةُ أقسامٍ كما قسَّمها النووىُّ وغيرُه من شافعيةٍ وحنفيةٍ وغيرِهِم: اعتقاداتٌ بالقلب وأفعالٌ بالجوارح وأقوالٌ باللسان، وكلُّ قسمٍ من هذه الأقسام الثلاثة يُخرِجُ صاحبَهُ من الإسلام من غير اشتراطِ أن يجتمعَ معَهُ قسمٌ ءاخر. القسمُ الأول من أقسامِ الردة هو الردةُ الاعتقادية المتعلقةُ بالقلب، مثلُ اعتقادِ أنَّ الله جسمٌ أو أنَّ الله يسكن في السماء أو يجلسُ على العرش. فمن كان هذا اعتقاده لا يكون من المسلمين ويجب عليه أن يعتقد أن الله لا يشبه شيئا وأنه سبحانه موجود بلا مكان ويتشهد ليصير من المسلمين. والقسمُ الثانِى من أقسامِ الردة هو الردةُ الفعليةُ المتعلقةُ بالجوارحِ، مثلُ السجودِ لصنمٍ. فمن سجدَ لصنم من غير إكراه كَفَّرْنَاهُ من غير نظرٍ إلى نيتـِهِ، وكذلك من سجدَ للشمسِ، أو القمر، أو الشيطان، أو النار، أو نحوِ ذلك من الأشياء التى لا يَسْجُدُ لها إلا الكفار. وأما من سجد لإنسانٍ فَفِى الأمرِ تَفصِيل. إنْ سجدَ له بنيةِ العبادة فهو كُفر، وإنْ سَجَدَ له تحيةً أو نحوَ ذلك فلا يَكْفُر. وقد كان هذا الأمرُ أى السجودُ لمسلمٍ تحيةً واحترامًا جائزًا فى الشرائع السابقة، كما سَجَدَ الملائكةُ لآدم، ثم حُرِّمَ هذا الأمر فى الشريعةِ المحمديةِ، فلا يجوزُ أن يسجدَ شخصٌ لشخصٍ ءاخر ولو كان على وجه التحية والاحترام. ومِنَ الكفر الفعلىّ أيضًا إلقاءُ المصحف فى القاذورات ولو قال الشخصُ الذى فعل هذا الأمر: أنا ما كنت أقصِدُ الإهانة، لأن مجردَ فعلِه إهانةٌ للمصحف. أمّا إن كان لا يعرف أنَّ الكتاب الذى يرميه هو كتابٌ مُعَظَّم كأن كان لا يعرف أنه المصحف الشريف ثم رماه فى القاذورة فلا يكفر. والقاعدةُ فى هذا الأمر أنّ كلَّ فعلٍ أجمع المسلمون أنه لا يصدُرُ إلا من كافر فمَن فَعَلَهُ عامدًا مختارًا فهو كافر. والعياذ بالله تعالى. والقسمُ الثالثُ الأقوالُ وهى كثيرةٌ جدًا لا تنحصر. و أكثر الكفريات إنما هى كفرياتٌ باللّسان، وهذا مصداقُ حديثِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: “أكثرُ خطايَا ابنِ ءَادم مِنْ لسانِهِ”، رواه الطبرانىُّ. ومن الكفريات القولية سبُ الله أو سبُ نبيٍ من الأنبياء أو ملَكٍ من الملائكة أو سبُ دينِ الإسلام والعياذ بالله تعالى. والقاعِدَةُ أَنَّ كلَّ اعتقادٍ بالقلب أو فعلٍ بالجوارح أو قولٍ باللسان فيه استخفافٌ بالله فهو كفر. وكذا ما فيه استخفافٌ بكُتُبِ الله الْمُنَزَّلَة، أو بأنبيائِهِ، أو بالملائكة، أو بشعائر الدين ومعالِمِ الدين أى الأشياء التى هى عَلَمٌ على أمور الدين أى التى هى مشهورة من أمور الدين، كالأذَان فإنه يقال له عَلَمٌ أو شَعِيرَة، و الحجِ والمساجد وعيدِ الفطر وعيدِ الأضحى والصلاة، كلُّ هذه من معالم الدين وشعائِرِ الدين فالاستخفاف بها كُفرٌ. وكذلك الاستخفافُ بأحكام الشريعة أو بوعد الله أو بوعيده، كلُّ ذلك كُفر سواءٌ عَقَدَ الإنسانُ على ذلك قلبَهُ أو فَعَلَهُ بجوارحِهِ أو نَطَقَ به بلِسَانِهِ. فليَحْذَرِ الإنسانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ لأن من مات على الكفر فقد خَسِرَ الدنيا والآخرة، أعاذنا الله تعالى من ذلك. و الإنسان إذا وقع فى الردة بقولِ كُفْرٍ أو فِعْلِ كُفْرٍ أو باعتقادٍ كفرىٍّ مثلًا لا بد له حتى يرجع إلى الإسلام من أن يترُكَ هذا الكفر الذى وقع فيه وينطِقَ بالشهادتين. وهذا معناه أنَّه لا بُدَّ أن يَعرِف أنّ الأمرَ الذى وَقَعَ فيه هو كُفْرٌ. فلو حصلَ مِنَ الشخصِ كُفْرٌ صريح كسب الله ثُمَّ تَشَهَّدَ بعدَ ذلك أَلْفَ مَرَّة مِنْ غَيرِ أَنْ يَعْرِف أَنَّ هذا الأمر هو أمرٌ كفرىٌّ لا تنفَعُهُ كُلُّ هذه المرات التى تشهَّد فيها. وهذا أيضًا معناه أنَّ الشخصَ لا بد أن ينطِقَ بالشهادتين حتى يرجعَ إلى الإسلامِ، فلا يكفى أَنْ يترُكَ العقيدةَ الكفريةَ التى كان عليها حتى يصيرَ مسلمًا من جديد. بل لا بد مع ذلك من أنْ ينطِقَ بالشهادتين للتبرؤ من الكفر. ومما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَداءُ جميعِ ما أوجَبَهُ اللهُ عليهِ. ويجبُ عليه أنْ يُؤَدِّيَهُ على مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بأَرْكانِهِ وشُروطِهِ يعنى معَ تطبيقِ الأركانِ والشروطِ، ولا يكفى مجردُ القيامِ بصُوَرِ الأعمالِ مع الإخلالِ ببعضِ الشروطِ أو الأركان. ويجبُ أنْ يجتَنِبَ الشخصُ مُبطلاتِ هذه الواجبات، وإلا يكونُ داخِلًا تحتَ حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ قائِمٍ حَظُّهُ من قيامِهِ السَّهَرُ ورُبَّ صَائِمٍ حظُّهُ من صيامِه الجوعُ والعَطَشُ “. رواه ابنُ حبان. يُعْلَم من ذلك أَهَميةُ تَعَلُّمِ عِلمِ الدّين، لأنَّ مَنْ لم يتعلم الكفايةَ من هذا العلم كيف يعرفُ ما هى الشروطُ وما هى الأركانُ وما هى المبطلاتُ حتى يُؤدّىَ الشروطَ والأركانَ ويجتنبَ المبطلات؟ ويجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شىءٍ من الفرائض أو يأتى بها على غير وَجْهِهَا بالإتيانِ بِهَا على وَجْهِهَا. الشخصُ إذا عَرَفَ مِنْ إنسانٍ أنَّه تَرَكَ فرضًا من فرائضِ اللهِ تبارك وتعالى يجبُ عليهِ أن يأمُرَه بأداءِ هذا الفرض. أو إنْ عَرَفَ أنه يأتى به على غيرِ وجهِه الذى يَصِحُّ بِهِ يجبُ عليه أن يأمرَه بالإتيانِ به على الوجهِ الذى يصِح به. هذا إذا كان الشخصُ يُخِلُّ بفرضٍ مجمَعٍ على فرضيتهِ أو يتركُ شرطًا مجمعًا عليه. ثم مَنْ عَلِمَ بمنكر وكان يستطيعُ أنْ يُغَيّـِرَ هذا المنكر بلسانه فعليه أن يفعل. كأن كان يعرف أنه إذا نصحَ هذا الإنسان الذى يأتـى هذا المنكر يَرْتَدِعُ هذا الإنسان. هنا يجبُ عليهِ ذلك. فإنْ كان فاعلُ المنكرِ لا يستَمِعُ للنصيحةِ وكان الشخصُ قادِرًا على قهرِهِ يجبُ عليهِ ذلك، يَقْهَرُهُ حتى يترُك المنكرَ الذى يفعَلُهُ، وهذا لحديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ رأى مِنْكُم مُنْكَرًا -يعنى من عَلِمَ منكم بمنكر- فَليُغَيّرْهُ بيدِه فإنْ لم يستَطِع فبلسانِه فإن لم يستَطِعْ فبقلبِهِ وذلكَ أضعَفُ الإيمان”، رواه البخارى. فمَنْ عَرَفَ بمنكرٍ فَغَيَّرَهُ بيدِه فهو سالم، فإِنْ عَجَزَ تَكَلَّمَ بلسانِهِ، إما يُكَلّـِمُ من يفعلُ المنكرَ أو إن كانَ لا يقبلُ منه يُكلِمُ إنسانًا يَعرفُ أنه يَقبلُ منه لِيُكَلّـِمَهُ، فإنْ فعَلَ ذلكَ فهو سالم. فإن عجزَ عن الأمرين القهرِ والأمرِ يجبُ أن يُنكرَ بقلبِهِ، فإن فعلَ ذلك فهو سالم. أما إذا لم يُنكر بقلبِهِ عند العجزِ عن القهرِ والأمرِ فهو ءاثِم. وإنكارُ المنكر بالقلب معناه أن يكرهَ هذا المنكر بقلبه. وما ذكرناه عن القهرِ والأمر مُقَـيَّدٌ بأن لا يكونَ هذا القهرُ أو الأمرُ يؤدِى إلى مُنكرٍ أعظمَ وإلا حَرُمَ. لأنَّ مِنْ شَرْطِ إنكارِ المنكر باليدِ أو باللسانِ أن لا يؤدِّىَ ذلك إلى مُنكرٍ أعظم. فانظروا يا أحبابنا إلى شدةِ أهميةِ تعليمِ الناسِ العلمَ الشرعىَّ الصحيحَ ولا سيما علمَ العقيدة، وانظروا إلى أهميةِ النهىِ عن المنكرِ ولا سيما النهىِ عن الكفر، فإنه إذا كان يجبُ نهىُ شاربِ الخمرِ عن معصيته ونهىُ السارقِ عن السرقة ونهىُ الكاذِبِ عن الكذبِ فكيفَ بالذى يقعُ فى الكفر؟! لا شك أَنّهُ واجب عظيمٌ أنْ ينهَاهُ الإنسانُ عن هذا الكفر وأن يأمرَهُ بالرجوع إلى الإسلام العظيم. ويكفى فى بيان فضلِ هذا الأمر حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحْيَا سُنَّتِى عندَ فَسَادِ أُمَّتِى كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيد” رواه البيهقىّ . وما هو أجر الشهيد؟ الجنة من غيرِ عذاب. فهذا الحديثُ يُستَدَلُّ منه على أنَّ الذى تَعَلَّم العقيدةَ الصحيحة وعلَّمها للناس فى هذه الأيام يدخُلُ الجنةَ إن شاء الله مِنْ غيرِ عذاب، ولو كانت له زَلاَّتٌ. فلا ينبغى للشخصِ أن يَنْزَوِىَ ويترُكَ الأمرَ بالمعروف والنهىَ عن المنكر لا سيما إذا نَشُطَ أهلُ البِدَع فى نَشْرِ بِدَعِهِم بين المسلمين وذلك لأن إنكارَ المنكر باللسانِ معَ القدرَةِ واجب. ومما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجبُ على وَلِىِّ الصبىّ والصبيةِ أن يأمرَهما بالصلاةِ بعد سبعِ سنين قمرية إذا كانا مُمَيّـِزَينِ، أمَّا قبلَ السبع فلا يجبُ أن يأمرَهما ولو مَيَّزَا. ويحصلُ التمييزُ بأنْ يصيرَ الصبىُّ فِى حالٍ يَفهَمُ فيها الخطاب ويردُّ الجواب. يعنِى لو سُئِلَ مثلًا كَمْ مَرَّةً يأتى رمضان فى العام؟ أو كم يومًا فى الأسبوع يوجَد؟ أو من أيّ جهة القبلة؟ وما شابه ذلك يَفهَم السؤال ويكون قادرا على الجواب. و وَلىّ الصبىّ والصبية المميزينِ يأمُرُهَما بالصيام أيضًا بعد سبعِ سنين إنْ مَيَّزَا وأطاقا الصيام، وأما بعدَ عشرٍ فيضرِبُهُمَا على تركِ الصلاة وتَرْكِ الصيام إن أطاقا الصوم، وذلك لحديث أَبِى داودَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبعٍ، واضرِبُوهُم عليها وهُم أبنَاءُ عَشرٍ. وفَـّرِقُوا بينَهُم فى المضاجع”. ويُشتَرَطُ فِى الضَّرْبِ المذكورِ أنْ لا يكون مُبَرِّحًا. كذلك يجبُ على الولىّ أن يُعِلّمَ الصبىَّ والصبية المميزَيْن ما يحتاجان إليه بعدَ البلوغ من أمورِ الدّين الضرورية التى يشتركُ فى معرِفَتِها العامُّ والخاصُّ، وهو ما كان مُتَعَلّـِقًا بأصولِ العقيدة، مِنْ وجودِ الله ووَحْدَانِيَّتِهِ، وقِدَمِهِ وبَقَائِهِ ومخالَفَتِهِ للحوادث، وأَنَّ للهِ تعالى قُدْرَةً وسَمْعًا وبَصَرًا وكلامًا وحياةً وعلمًا ومشيئةً، وأنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولُ الله حقًا وخاتَمُ الأنبياء، وأنَّه وُلِد بمكة وهاجر إلى المدينة. وأنَّ الله أرسلَ أنبياء أولُهُم ءادم، وأنَّه أنزلَ على أنبيائِهِ كُتـُبًا. وأن لله ملائكةً. وأنه سيُفنِى الإنس والجن ثم يُعَادُونَ إلى الحياة، وأنه بعد ذلك يُجَازَونَ على أعمالِهِم. وأنَّ الله أعدَّ للمؤمنينَ دارًا للنعيم تسمى الجنة، وأعدَّ دارًا للعذاب هى جَهَنَّم، وما أشبه ذلك من أصولِ العقائد. ويُعَلّمُهُم كذلك حُرمَةَ السَّرِقَةِ، والكَذِبِ، والزنا، واللواطِ، والغيبةِ والنميمةِ، وضربِ المسلم ظلمًا، ونحوَ ذلك من الأمورِ الظاهرةِ. وهذا أمرٌ يتركه كثيرٌ مِنَ الأهل، فيأثمون بذلك. لا هم يُعَلّمُونَ أولادَهم ولا هم يأتون لأولادِهِم بمَنْ يُعَلّمُهُم، وإنما هَمُّهُم مَأْكَلُ أولادِهِم ومشرَبُهُم وملبسُهُم ومأواهُم فقط، فيعامِلُونَ أولادَهم كما يعاملونُ بهائمهم. نعوذ بالله من ذلك. ومما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلّمه للناس أنه يجبُ على كلِّ مسلِمٍ مُكَلَّفٍ أنْ لا يدخُلَ فِى شىءٍ حتى يعلمَ ما أحلَّ اللهُ تعالى منهُ وما حرَّمَ لأنّ اللهَ سبحانَهُ تَعَبَّدَنَا أَى كَلَّفَنَا بأشياءَ فلا بدَّ من مُراعاةِ ما تَعَبَّدَنَا. فيجب على العبدِ أن يُطيعَ خالقَهُ سبحانَهُ بأداءِ ما أمر به واجتنابِ ما حرَّم، لأنَّ اللهَ سبحانه أهْلٌ لأَن يُطَاعَ. وسواءٌ فى هذا ما عَقِلْنَا الحكمةَ منه وما لم نَعْقِل، لأنّ بعضَ الأشياء التى تَعَبَّدَنَا اللهُ تعالى بهَا أى أَمَرَنَا بها أو نهانا عنها نعرف الحكمةَ منها وأشياءُ أخرى لا نعرِفُ الحكمة منها. وهذا ابتلاءٌ أى اختبارٌ من اللهِ عزّ وجلّ للعباد حتى يظهرَ العبدُ الْمُسْرِعُ بالطاعة والعبدُ الْمُبْطِئ فى الطاعة أى حتى يَتَمَيـَّزَا. فيجبُ علينا أن نُسَلّـِمَ لخالِقِنَا فى كلِّ ما أمر به سبحانه وما نهى عنه. وقَد أحلَّ اللهُ تعالى البيعَ وحرَّم الرِبا. وقد قَيَّدَ الشرعُ هذا البيعَ بآلةِ التعريفِ لأنه لا يَحلُّ كُلُّ بَيْعٍ إلا ما استوفَى الشروطَ والأركانَ، فلا بُدَّ لِمَن يريدُ تَعاطِىَ البيعِ والشراء أن يتعلمَ أحكام البيع والشراء حتى لا يقعَ فى ما حرَّم اللهُ تعالى، وإلا فإنّه يقعُ فى المحرمات شاءَ أمْ أَبـَى عَرَفَ ذلك أو لَم يَعْرِفْ. وقد كان سيدُنا عُمَر لأهمية هذا الأمر يَمُرُّ فى السوقِ فيَمْتَحِنُ التُّجَار، فإنْ وَجَدَ واحدًا منهم ليس عندَه معرفةٌ كافيةٌ بأحكامِ البيعِ والشراء أقَامَهُ مِنَ السوقِ، وكان يقول رضي الله عنه: لا يَقْعُدْ فِى سوقِنَا مَنْ لَم يَتَفَقَّهْ إهـ. يعنى لا يقعدْ فى السوق ليبيعَ الناس ويشتري منهم. وأما الإنسان الذى تَعَلَّم تلك الأحكام وطَـبَّقَهَا فاتَّقَى الله عزّ وجلّ، أى اجتنب ما حرَّم الله من أنواع المعاملات، يُحشر يومَ القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء، كما ثبتَ فى حديثِ الترمذى وغيرِهِ عن سيدنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وهذه بِشَارَة للتاجر الصدوق بأنّه يومَ القيامةِ يكون من الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، أى يكون يوم القيامة من أهل النجاة، وما ذاكَ إلا لأجلِ ما يلقَاهُ مِنْ مُجاهدةِ نفسِهِ وهواهُ وقهرِهَا على إجراءِ العُقُودِ على ما أمرَ اللهُ تعالى. وليحذر المسلم من أنواع محرمة من البيوع والمعاملات وهي كثيرة ومنها الرّبا. وأكثرُ أنواعِهِ شُيُوعًا هو رِبَا القَرض. ويَجْمَعُ مسائِلَهُ الحديثُ الذى رواه البيهقىُّ: “كُلُّ قَرْضٍ جَرّ منفعةً فهو ربا”، يعنِى أنّ كُلَّ قرضٍ كان فيه شرطُ جَرّ المنفعةِ للمُقرِضِ وَحْدَهُ أو له وللمُقتَرِضِ فهو ربا. فإذا أقرضَ الشخصُ إنسانًا ءاخرَ مالًا إلى مدةٍ معلومةٍ على أنّه إذا تأخرَ فى ردِّ المالِ عن تلك المدةِ يرُدُّهُ له مع زيادةٍ فهذا هو رِبَا القَرْضِ. وكذلك لو أقرَضَهُ مبلغًا من المال على أنّه يرُدُّهُ له وقتَ كذا معَ زيادة. وكذلك لو أقرضَهُ مبلغًا من المال على أن ينتَفِعَ بِبَـيْـتِهِ مجانًا إلى أن يرُدَّ له المال، فإنّ هذا ربا أيضًا، ولو لَم يُشْتَرَط فيه زيادةٌ لأنّ فيه شرطَ جَرِّ منفعةٍ إليه. ومِنَ البيوعِ المحرمةِ بيعُ كلِّ ءَالةِ لَهْوٍ محرّمة، كالعُودِ والكُوبَة وهو الطبل الضيقُ الوَسط والنَّرْد. وَيَحْرُمُ بيعُ الشىءِ الحلالِ الطاهرِ على مَنْ تَعْلَمُ أنَّه يُريدُ أن يَعْصِىَ به كالعِنَبِ لمن يُرِيدُهُ للخَمْرِ والسلاحِ لمن يَعتَدِى به على الناسِ. بيعُ الشىءِ الحلالِ الطاهر حرامٌ إذا كان البائعُ يعلم أنَّ المشترِىَ يريدُ أن يستعمِلَهُ فى معصيةِ الله، لأنّ فى ذلك إعانةً على المعصية وربُّـنَا قال: {ولا تَعاوَنوا على الإثمِ والعُدوان}. فيحرُمُ بيعُ العنب لمن يريد أن يعصرَهُ خمرًا، وبيعُ السلاحِ لمن يريدُ أن يعتَدِىَ به على الناس بغير حق، وبيعُ الخشب لمن يتّخِذُ منه ءالةَ لهوٍ مُحَرَّمَة. وَيحرم بَيْعُ الخمر ولو لكافر ويحرم شراءها والإعانة على شربها. وليعلم أنّ الغِشَ حرامٌ فى البيع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “منْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا” رواه مسلم. فالذى يخون فى الكيل أو الوزن أو الذرع -أى القياس بالأذرع- أو يخونُ فى العدّ كأن يوهم المشترى أنّه يعطيه عشر بيضات وهى فى الحقيقة تسعة أو ثمانية فهو واقعٌ فى الإثم. وقد قال تعالى: {ويل للمطففين} والويلُ هو الهلاكُ الشديد، والمطفّـِف هو الذى له مِكيَالان يَستوفِى بمكيالٍ تامٍ ويبيع بمكيالٍ ناقصٍ، أو له عياران للوزن يَستوفى بعيارٍ تامٍ ويبيع بعيارٍ ناقصٍ، فالله تعالى تَوَعَّدَ هؤلاء بالويل أى أنهم يستحقون بذلك عذاب النار. وهذا يدلُّ على أنّ هذا الفعلَ من كبائر الذنوب. وكَذَا يحرم جُمْلَةٌ مِنْ معاملاتِ أهلِ هذا الزمانِ، وأكثرُهَا خارجةٌ عن قانونِ الشرع. أي أنّ كثيرًا جدًا من معاملاتِ أهلِ هذا الزمن لا توافقُ شرعَ الله تعالى. فمن أراد رِضَا اللهِ تعالى فعليه أن يَتَجَنَّبَهَا. ولا يستطيعُ أن يَتَجَنَّبَهَا إلا إذا تعلَّم ما يحتاج إلى تَعَلُّمِهُ من علمِ الدين مما يَتَعَلَّق بالمعاملات فإنه لا يجوزُ تناوُلُ رِزْقٍ من حرام. فَعَلَى مريد رِضا اللهِ سبحانَهُ وتعالى وَسَلامة دِينِهِ وَدُنْياهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحِلُّ ومَا يَحْرُمُ مِنْ أهل المعرفة والثقة فلا يجوز استفتاءُ العالِمِ الفاسِق، ولا يجوز استفتاءُ مَنْ لَيسَ له كَفَاءَةٌ فِى العلم. فيا أيها الناس إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمَّن تأخذون دينَكم رحمكم الله.