الأحد ديسمبر 7, 2025

19 وقعة صفين والنهروان ومقتل سيدنا علي رضي الله عنه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين ورضي الله عن أمهات المؤمنين وءال البيت الطاهرين وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي المرتضى وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن الأولياء والصالحين. أما بعد بعد وقعة الجمل، دعا علي رضي الله عنه معاوية ومن معه من أهل الشام إلى البيعة فرفضوا، فخرج يريدهم فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أهل الشام، والتقوا في صفين في أرض الشام في صفر سنة سبع وثلاثين فاقتتلوا فقتل عمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت وكانوا مع علي، فلما أحس أهل الشام باقتراب هزيمتهم رفعوا المصاحف يدعون بزعمهم إلى ما فيه مكيدة من عمرو بن العاص الذي أشار بذلك على معاوية وهو معه، فحكم الحكمان وكان حكم علي أبا موسى الأشعري وحكم معاوية عمرو بن العاص فاتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه ثم قدم عمرو بن العاص عند التحكيم أبا موسى الأشعري فتكلم أبو موسى فخلع عليا وتكلم عمرو بن العاص فأقر معاوية وبايع له، فتفرق الناس على هذا. وليعلم أن قتال معاوية لعلي رضي الله عنه هو خروج عن طاعة الإمام فيكون بذلك مرتكبا للكبيرة، ويكفي لإثبات ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية” في موضعين الأول في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المساجد بلفظ: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، ورواه في كتاب الجهاد والسير بلفظ: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار”، ورواية الطبراني فيها زيادة وهي: “ويح عمار تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الحق”. فتبين من ذلك يا أحبابنا أنه لا يجوز أن يقال معاوية اجتهد فأخطأ فله أجر بقتاله لعلي لأن النبي سماهم بغاة أي واقعون في الظلم والوقوع في الظلم لا أجر فيه فتفطنوا لذلك رحمكم الله. وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه: “ودل حديث: “تقتل عمارا الفئة الباغية” على أن عليا كان المصيب في تلك الحرب لأن أصحاب معاوية قتلوه. وقال ابن كثير في البداية والنهاية ما نصه: “وهذا مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله أهل الشام. وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليا محق وأن معاوية باغ ” ا.هـ.  وأما الخوارج فخرجوا على سيدنا علي وكانوا أولا يقاتلون معه معاوية، ثم كفروا سيدنا عليا وقالوا: لا حكم إلا الله، وعسكروا بحروراء فبذلك سموا الحرورية، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس وغيره فخاصمهم وحاجهم فرجع منهم قوم كثير وثبت قوم على رأيهم، وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت فسار إليهم علي فقاتلهم بالنهروان في العراق سنة ثمان وثلاثين. وروى البيهقي في كتاب الاعتقاد والهداية بإسناده المتصل إلى محمد بن إسحاق وهو ابن خزيمة قال: “وكل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في إمارته فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس –يعني الشافعي- رحمه الله” ا.هـ. وهنا تنبيه مهم جدا: الذي يقول: إن الذين قاتلوا عليا بغاة أي واقعون في الظلم أو يقول في مقاتلي علي من أهل صفين دعاة إلى النار أو إنهم عصوا، فلا يعد واقعا في المحظور الذي ينهى عنه النبي بقوله : “لا تسبوا أصحابي” فإن النبي هو الذي سمى من قاتل عليا في وقعة صفين “بغاة” وهو عليه الصلاة والسلام الذي قال فيهم: “دعاة إلى النار”، فنحن نقول عنهم ما قاله النبي عنهم ونعوذ بالله تعالى من أن نفتري على أحد من الصحابة فليعلم ذلك رحمكم الله. وكانت وفاة سيدنا علي رضي الله عنه لإحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة من عمره، عندما خرج إلى صلاة الصبح على يد أحد الخوارج واسمه عبد الرحمن بن ملجم المرادي الملعون فكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر. توفي رضي الله عنه شهيدا سعيدا مبشرا بالجنة ونعيمها وتولى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن عليه السلام ودفن سحرا قيل فيما يلي قبلة مسجد الكوفة، وقيل عند قصر الإمارة، وقيل بالنجف، والصحيح أنهم غيبوا قبره الشريف خوفا عليه من الخوارج. وفي ختام سلسلة مختصر الخلفاء الراشدين إليك يا أخي المسلم هذه النصيحة العظيمة: كن يا أخي محبا لمن أحبهم الله ورسوله، معظما لمن رفع الله من شأنهم وأعلى قدرهم، وليبق حب الصحابة الأبرار وءال البيت الأطهار محفورا في قلبك، ولا سيما الخلفاء الراشدين العاملين الورعين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي المرتضى رضي الله تعالى عنهم وجزاهم الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيرا وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وجعلنا من أتباعهم. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.