قول الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله (ت 771هـ)
قال تاج الدين السبكي([1]): «وهو الله الواحد، والواحد الشىء الذي لا ينقسم ولا يشبه بوجه، والله تعالى قديم لا ابتداء لوجوده، حقيقته مخالفة لسائر الحقائق، ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، لم يزل وحده ولا مكان ولا زمان» اهـ.
وقال أيضا([2]) متنا والشرح للمحلي([3]): «(وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى) منه (وننزه عند سماع المشكل) منه كما في قول الله سبحانه وتعالى: ليس كمثله شىء وهو السميع البصير {11} (الشورى)، وقوله عز وجل: ويبقى وجه ربك {27} (الرحمن)، وقوله عز من قائل: ولتصنع على عيني {39} (طه)، وقوله تعالى: يد الله فوق أيديهم {10} (الفتح)، وقول النبي ﷺ([4]): «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء»، وقوله عليه الصلاة والسلام([5]): «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواهما مسلم. (ثم اختلف أئمتنا أنؤول) المشكل (أم نفوض) معناه المراد إليه تعالى، (منزهين) له عن ظاهره (مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح) في اعتقادنا المراد منه مجملا، والتفويض مذهب السلف وهو أسلم، والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم فيؤول في الآيات الاستواء بالاستيلاء، والوجه بالذات والعين بالبصر واليد بالقدرة، والحديثان من باب التمثيل المذكور في علم البيان، نحو: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، يقال للمتردد في أمر تشبيها له بمن يفعل ذلك لإقدامه وإحجامه، فالمراد من الحديث الأول -والظرف فيه خبر كالجار والمجرور- أن قلوب العباد كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى شىء يسير يصرفه كيف شاء كما يقلب الواحد من عباده اليسير بين إصبعين من أصابعه، والمراد من الثاني: أنه تعالى يقبل التوبة في الليل والنهار إلى طلوع الشمس من مغربها فلا يرد تائبا كما يبسط الواحد من عباده يده للعطاء أي للأخذة فلا يرد معطيا» اهـ.
وقال تاج الدين السبكي نقلا عن ابن جهبل (ت 733هـ) ما نصه([6]): «ووقفت له ـ أي ابن جهبل ـ على تصنيف صنفه في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به، وهو هذا» اهـ. ثم ذكر الرسالة بكاملها. وذكر ابن جهبل أنه ضمن رسالته هذه عقيدة أهل السنة والرد على المشبهة المجسمة والحشوية والمتسترين بالسلف، ومما قاله: «ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف» اهـ.
وقال التاج السبكي في قصيدة له([7]): [الكامل]
الله جسم ليس كالجسمان |
| كذب ابن فاعلة يقول لجهله: |
مجنون فاصغ وعد عن البهتان |
| لو كان جسما كان كالأجسام يا |
يأتي وخل وساوس الشيطان |
| واتبع صراط المصطفى في كل ما |
واعلم بأن الحق ما كانت عليــــــه صحابة المبعوث من عدنان | ||
دانوا بما قد جاء في الفرقان |
| قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد |
غرسوا ثمارا يجتنيها الجاني |
| وأتت على أعقابهم علماؤنا |
وأبي حنيفة والرضا سفيان |
| كالشافعي ومالك وكأحمد |
يقفو طرائقهم من الأعيان |
| وكمثل إسحاق وداود ومن |
وأتى أبو الحسن الإمام الأشعري مبينا للحـــــــق أي بيـــــان
| ||
[1] ) جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني، السبكي، 2/276، 277.
[2] ) جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني، السبكي، 2/280، 281.
[3] ) محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي، ت864هـ، أصولي مفسر. مولده ووفاته بالقاهرة، وكان مهيبا صداعا بالحق، عرض عليه القضاء فامتنع. الأعلام، الزركلي، 5/333.
[4] ) صحيح مسلم، مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء، 8/51.
[5] ) صحيح مسلم، مسلم، كتاب التوبة، باب قبول التوبة وإن تكررت الذنوب والتوبة، 8/99.
[6] ) طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، 9/35، 36.
[7] ) طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، 3/379، 380.