زوجات رسول الله ﷺ
يقول عليه الصلاة والسلام “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله” إنما قال ذلك رسول الله ﷺ ليعلمنا أن الرجل إذا أراد أن يكون أفضل عند الله يكون خيرا لزوجاته. فالأهل هنا يقصد بهم ما يشمل الزوجة. فالرسول عليه الصلاة والسلام كان أحسن الرجال في المعاملة لزوجاته وذلك يعود لأن الرجل في بيته لا يتكلف كما يتكلف مع الناس في خارج البيت. في خارج البيت يلتقي بالأصدقاء، يلتقي بالتجار، يلتقي بالبائعين إلى غير ذلك ممن يلاقيهم في خارج البيت. وأما في البيت يريد الرجل أن يرتاح ولذلك فيكون على سجيته وطبيعته. فينبغي أن لا يسيء إلى الزوجة. فقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام حسن العشرة وحسن المعشر وفي ذلك تخبرنا زوجات الرسول ﷺ ما كن يشاهدن من حسن الحال من رسول الله ﷺ. فعائشة رضي الله عنها وأرضاها كان إذا دخل رسول الله ﷺ بيته وهو منها غضبان وضع يده على كتفها وقال “اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظها وأعذها من مضلات الفتن“. وكذلك كان عليه الصلاة والسلام يناديها بنداء فيه لطف فيقول “يا عائش” هذا جبريل يقرئك السلام. وقال مرة “يا حميراء” وذلك تصغير الحمراء وهذا من باب الدلال. وقال “خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء” وأراد بذلك الدلال أيضا. وكذلك رسول الله ﷺ سابق السيدة عائشة ذات يوم وكانت السيدة عائشة خفيفة اللحم فسبقته. وبعد سنوات كانت قد نسيت السيدة عائشة هذا الحدث وكان النبي في قافلة فأمر أصحابه أن يسبقوه ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة سابقيني وكانت السيدة عائشة بعد ذلك قد صار عندها شيء من السمن فسابقت رسول الله ﷺ فسبقها. فقال لها “هذه بتلك”. رسول الله ﷺ في يوم عيد وأناس يلعبون في المسجد وكان لعبهم لعبا مفيدا لم يكن لمضيعة الوقت فرأى رسول الله ﷺ عائشة تشتهي أن تنظر، فقال لها “تشتهين تنظرين؟” فقالت “نعم” فوضعها النبي ﷺ خلفه وأسندت رأسها إلى كتف النبي ﷺ ووضعت خدها عند خد النبي فصارت تنظر حتى تشبع. وفي كل ذلك أراد النبي ﷺ أن يدخل السرور إلى قلبها. وكذلك دخل مرة أبو بكر الصديق أبو عائشة وكان أراد أن يؤدبها بتأديب بسبب شيء كان بينها وبين النبي ﷺ مما يكون بين الرجل وزوجته مما ليس فيه استهزاء أو سوء أدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام حال بين أبي بكر وبين عائشة. كان كل ما أراد أبو بكر أن يقترب من عائشة وقف رسول الله ﷺ ومنعه منها. فلما خرج أبو بكر سأل النبي ﷺ زوجته عائشة كيف وجدته وقد منع أبا بكر منها وهذا أيضا من باب المداعبة ومن باب المزاح. السيدة عائشة يخرج معها رسول الله ﷺ يمشي في الليل يحدثها ويسمع حديثها. صفية زوجة رسول الله ﷺ في يومها كانت في قافلة مع الرسول ﷺ إلا أنها كانت على دابة بطيئة فاستبطأت المسير وتخلفت شيئا عن الرسول عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك لما وصلت إلى النبي وكان النبي ينتظرها نزلت تبكي تشكو إلى رسول الله ﷺ بطء الدابة فمسح النبي ﷺ بيده الشريفة دموعها ومسح عينها وخدها يلاطفها. سيدنا رسول الله ﷺ كان يستشير زوجاته في أمور مهمة، مثلا استشار أم سلمة في قضية صلح الحديبية فأشارت عليه بنعمة المشورة فأخذ رسول الله ﷺ برأيها وكانت امرأة نيرة الذهن وقادة الذكاء فطنة. وكذلك رسول الله ﷺ لم ينس فضل خديجة بعد وفاتها وكان يقول “إني رزقت حبها“. وكانت السيدة عائشة تقول “ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة” لكثرة ذكر رسول الله ﷺ لها “خديجة فعلت، خديجة فعلت“. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب خديجة محبة عظيمة، فكان إذا سمع صوت أختها هالة قبل أن يرى شخصها يقف ويقول “اللهم هالة، ” اللهم هالة” وهي هالة بنت خويلد. كان النبي عليه الصلاة والسلام يسامر زوجاته في الليل أحيانا لإدخال السرور إلى قلوبهن مع أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد علمنا أنه ينبغي للمسلم أن ينام بعد صلاة العشاء إلا أنه علم أيضا أنه يسن للرجل إذا أراد إدخال السرور إلى قلب الزوجة أن يسامرها قليلا بعد صلاة العشاء كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي ليلة كلمت السيدة عائشة رسول الله ﷺ بكلام طويل فاستمع لها الرسول عليه الصلاة والسلام ولما أنهت لم يؤدبها رسول الله ﷺ ولم يؤنبها إنما لاطفها بحسن الكلام، وهكذا أدخل السرور إلى قلبها مرات ومرات ومرات. بالإضافة إلى تعليمهن أمور الدين وتعليمهن أحكام الشريعة وتعليمهن أمور النساء حتى ينشرن الدين بين النساء. هذه السيدة عائشة كانت فقيهة كانت عالمة بالطب وبالشعر وكانت أفقه النساء. وكان الصحابة إذا اختلفوا في أمر سألوا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها بعد وفاة رسول الله ﷺ لكثرة ما حوت من العلم. نعم هو رسول الله ﷺ زاده ذلك رفعة وزاده ذلك قدرا وعظمة ليس هذا إلا من حكمته وذكائه ليس هذا لصغر عقل أو قلة فهم بل هذا لقوة ذكاء وسعة حكمة. دخل مرة عند السيدة عائشة وكانت أرادت السيدة عائشة النوم فالنبي عليه الصلاة والسلام دخل في الفراش حتى ظن أن عائشة قد نامت. ثم خرج من فراشه وارتدى رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب ورده رويدا وخرج من البيت. فخرجت خلفه السيدة عائشة لتنظر أين يذهب رسول الله ﷺ فوجدته قد ذهب إلى البقيع في جوف الليل رسول الله ﷺ لا ينسى أموات المسلمين. رسول الله ﷺ يدعو لأموات المسلمين في جبانة البقيع وأحس بسواد إنسان فلحق هذا السواد حتى دخل هذا السواد إلى بيته فلما دخل رسول الله ﷺ بيته عرف أنها عائشة. رسول الله ﷺ لم يصرخ في وجهها ولا غضب منها بل سألته “كيف تسلم على أهل القبور؟” فأجابها الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمها مما علمه الله. حبيبي يا رسول الله حبيبي يا رسول الله ما أحلى معاملتك مع الكل مع الصغار ومع الكبار مع الرجال ومع النساء مع القريب ومع البعيد مع من تعرف ومع من لا تعرف. رسول الله ﷺ كان إذا صلى الفجر وانتظر شروق الشمس يذكر الله تبارك وتعالى كان بعد ذلك يدور على زوجاته كلهن يسلم على كل واحدة ويتفقد حالها يدعو لها بخير ويرشد وينصح يعلم. فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه. تقول عائشة “رأيت من طيب رسول الله ﷺ شيئا كثيرا رأيت من طيب نفسه فقلت يا رسول الله ادع الله لي” فقال رسول الله ﷺ “اللهم اغفر لعائشة ما تقدم منها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت” قالت عائشة “فضحكت حتى وقع رأسي في حجري من الضحك” فنظر إليها رسول الله ﷺ قال لها “يا عائشة أيسرك دعائي؟” فقالت “وما لي لا يسرني دعاؤك يا رسول الله” فقال عليه الصلاة والسلام “والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة“. نشكر الله تعالى أن كنا من أمة هذا القائد العظيم ونسأل الله تعالى أن يحشرنا تحت لوائه وأن يرينا نبيه محمدا في المنام ونسأله عز وجل أن يرزقنا شفاعة في يوم الفزع الأكبر ونسأله عز وجل أن يرزقنا زيارته ومجاورته والوفاة ببلده وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.